17 - 09 - 2025

التنازع في الميراث وحكم المحكمة بدون استقصاء

التنازع في الميراث وحكم المحكمة بدون استقصاء

السؤال:
هناك أرض ملك لشخصين، قديما كان من يزرع بالأرض يملكها، وكان هذان الشخصان من زرعا فيها، واختارا فيما بينهما من تكتب الأرض باسمه، فاتفقا أن تكتب باسم والدهما، علما بأن لهما إخوانا وأخوات آخرين، وكتبت باسم الوالد و كان لا يملك شيئا، وتوفي الوالد، وكبر الأخوان، وأصبح لديهما أحفاد، ثم قرر أولاد العائلة كلهم أن تُباع الأرض، وأن يُقسم ميراث الوالد الذي باسمه الأرض، والأرض كبيرة وتقدر بالملايين، واتفق الأحفاد على أن يقسم الإرث على كل الإخوان والأخوات، والأخوان على قيد الحياة، ولكن لم يعارضا، ولكن الآن توفيا، والأحفاد قالوا: إن الإخوان والأخوات الباقين ليس لهم حق بالإرث، وأنه حرام، علما بأن المحكمة لم تعلم بالأمر، وحكمت أن يقسم على الكل. هل في هذا الإرث مال حرام أم لا؟ علما بأن من الإخوان من كان يشتغل بالمزرعة عند حضوره، لأنه كان بمدينة ثانية.

الفتوى:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فأولا: إن كان الأخوان قد كتبا الأرض باسم الوالد على سبيل تمليكه إياها تمليكا حقيقيا، فلا إشكال في كونها من إرثه، وحينئذ يجب توزيعها على الورثة الشرعيين، ويشترك فيها جميع أولاد الميت للذكر مثل حظ الأنثيين.
ثانيا: إن كانت الأرض قد كتبت باسم الوالد مجرد كتابة على سبيل التمليك الصوري، فحينئذ تبقى الأرض على ملكية الأخوين، ومن ثم فلا يحق لسائر إخوانهم وأخواتهم أخذ شيء منها إلا برضاهما. وانظري الفتوى رقم: 192551، وما أحيل عليه فيها.
ثم لا يخلو الأمر بعد ذلك من أحد حالين:
الأول: أن يوافق هذان الأخوان على قسمة الأرض بين جميع الإخوة بطيب نفس منهما، فحينئذ تكون الأرض ملكا لهم جميعا، ومن ثم فلا يحق لبعض الأحفاد بعد ذلك أن يمنعوا أحد أعمامهم وعماتهم من أخذ أنصبتهم من الأرض.
الثاني: ألا يعارض الأخوان الأحفادَ تحت ضغط؛ كسيف الحياء، ونحو ذلك مما يقدح في رضاهما، فحينئذ تكون الأرض باقية على ملكهما، فإذا ماتا فأولادهما أحق بها من سائر الإخوة وأولادهم، فيحجبونهم، ولا يحل لهم في الأرض شيء. وراجعي الفتويين: 23152، 71220.
وفي هذه الحالة يكون ما حكمت به المحكمة لسائر الإخوة إنما هو قطعة من النار، ولا يحل لهم الحرام في حقيقة الأمر. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188}: من أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل، ومِن الأكل بالباطل: أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل؛ فالحرام لا يصير حلالاً بقضاء القاضي؛ لأنه إنما يقضي بالظاهر. وهذا إجماع في الأموال .... ورَوى الأئمة عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحجّته من بعض؛ فأقضي له على نحوٍ مما أسمع، فمن قطعتُ له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار. وفي رواية: فلْيَحْمِلْها أو يَذَرْهَا. وعلى القول بهذا الحديث جمهور العلماء وأئمة الفقهاء, وهو نصٌّ في أن حكم الحاكم على الظاهر لا يُغيّر حكم الباطن، وسواء كان ذلك في الأموال، والدّماء، والفروج. اهــ. 
 والله أعلم.