02 - 05 - 2025

جاء العيد ولم تعد يارا

جاء العيد ولم تعد يارا

استراتيجية ثقافية؟ أظنها مجرد مناسبة أخرى لإنفاق مزيد من الأموال على تشكيل لجان وعقد اجتماعات، تنتهي كالعادة إلى خواء، فيما لا يوجد حس ولا خبر عن المعتقلين والمدانين على ذمة تعبير سلمي عن الرأي، هنا أو هناك، أو بسبب عمل ابداعي، بل إن وزير تلك الاستراتيجية الوهمية سعى من دون أن يرف له جفن من أجل أن يزيدهم واحدا عندما لجأ إلى النيابة مختصما كاتبا انتقد أداءه الوظيفي، بدلا من أن يرد عليه بمقال، وهو المنوط به الدفاع عن حرية التعبير.

....

على كل حال، أنا لا أريد هنا الكتابة عن موضوع الاستراتيجية الثقافية، ولا عن الوزير جابر عصفور. أريد فقط أن أكتب عن يارا رفعت سلام؛ وهي محامية وباحثة حقوقية، وناشطة سياسية ومدونة، تم القبض عليها في ا?حداث المعروفة بمسيرة ا?تحادية في تاريخ 21  يونيو 2014، وكانت التظاهرة تدعو لوقف العمل بقانون التظاهر. السن 28 سنة، اهتمامها بالدفاع عن حقوق الإنسان بدأ منذ أن كان عمرها 15 عاما. حاصلة على الماجستير في القانون الدولي لحقوق الإنسان من جامعة نوتردام، وسبق لها العمل كمساعدة قانونية باللجنة ا?فريقية لحقوق ا?نسان والشعوب في جامبيا.

هذه المعلومات استقيتُها من موقع "جهود"، وهو مخصص للتعريف بسجناء الرأي والضمير في العالم العربي. أما معلوماتي أنا، فلم تكن تتعدى أن تلك البنت هي ابنة زميلي عملي في وكالة أنباء الشرق الأوسط، الشاعر والمترجم الصديق رفعت سلام، والأستاذة راوية صادق، وهي أيضا فنانة تشكيلية ومترجمة، من أبرز أعمالها ترجمة كتاب "قصيدة النثر من بودلير حتى الآن" لسوزان برنار.

الآن، أعرف ويعرف كثيرون غيري أن يارا محبوسة في سجن القناطر منذ ما يزيد على مئة يوم، وتهمتها "استعراض القوة وارهاب المواطنين"، فيما تؤكد منظمة العفو الدولية أن يارا "تُحاكم جراء عملها كمدافعة عن حقوق الإنسان".

طبعا هناك، بخلاف يارا، كثيرون جرى اعتقالهم، بدعوى انتهاكهم قانون التظاهر، وبعضهم صدر بحقه أحكام بالسجن والغرامة، مع أن منهم من شارك في الزخم الثوري الذي يفاخر من يحكموننا الآن بإنتمائهم إليه.

مع يارا في القضية نفسها، 22 متهما آخرين، من ضمنهم سناء سيف (21 سنة) ابنة محامي حقوق الإنسان أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح، الذي رحل عن دنيانا مؤخرا، فيما كانت سناء وأيضا شقيقها علاء عبد الفتاح، يقبعان في السجن. 

.....

وأنا حين أخص يارا هنا بكلام، فإنني أفعل ذلك من منطلق أنها تختصر -من وجهة نظري- وجوها كثيرة تعاني من جراء عملها في الدفاع عن حقوق الإنسان، أو استخدامها حقوقا يكفلها الدستور، وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي، فضلا عن أنها ألهمت، منذ القبض عليها، عددا من الأدباء من أجيال مختلفة، فكتبوا عنها شعرا ونثرا، وبعضهم لا يعرفها سوى من  صورها.

يصر رفعت سلام، على ان يارا ليست رمزا وليست استعارة، وأنا أتفهم موقفه هذا، ففي النهاية هو يتحدث عن ابنته، التي يتمنى لها بالتأكيد أن تنعم بحياة طبيعية.

كتب صاحب "إنها تومئ لي" عن ابنته بعد ان زارها في سجن القناطر: "هي ليست رمزا، لا استعارة، لا كناية.. هي يارا". وكتب أيضا: "فكيف يمكن التوفيق بين الحلم والكابوس في فتاة تمشي مرحا في الشوارع والأسواق، كأنها تحلّق أو ترفرف في فضاء مُضاءٍ بالنجوم الزاهرة، أو الشموس الصغيرة التي لا تعرف الغروب؟ كيف يمكن التوفيق بين الخيال الجامح وقوات الأمن المركزي، والبلطجية، وزنزانة تضم سبع فتيات يطرقن- بقبضاتهن الصغيرة، الهشة- أبواب صُبح عصي يتمنع عليهن إلى حد اليأس؛ فيوصدن أبوابهن في وجهه، ويواصلن الطَّرق بعنفوان جديد؟".

وكتب الشاعر محمد رياض؛ صاحب الديوان البديع عن الثورة "الخروج في النهار"، اسمها عنوانا لقصيدة نشرها مؤخرا عبر صفحته على الفيس بوك، وجاء فيها: اطردينا من الساحات/ أعيدينا إلى الأزقة والحقول/ ملطخين بفحم التواريخ ودخان المعارك/ الزنزانة أوسع من حيواتنا/ وأنت لا تحتاجين سوى للهواء".

وكتب حسن حلمي: "يا شمس فوق السجن طوَّافة/ بكرة الحقيقة تطل هفهافة/ صفصافة ترمي الضِّل عنـ المية/ والحق مهما انكسر بكرة يتعافى".

وكتب أمين حداد: "راحو الصبايا والصبايا ما جُوش/ سناء ويارا .. الورد والياسمين/ سجن القناطر فيه بنات حلوين/ قبضوا عليهم في الليالى وحوش".

وكتب أحمد الخميسي: " الميادين لقدميك. كل الشوارع لعينيك. النهر لترتوي. والأرض لتغرسي. والجسور لتعبري. واصلي – أيتها الحرية الغالية - وثباتك مثل طائر ملون شديد الفرح والخيلاء. أطلقي صوتك ليصل الأرض بالسماء. دعيني أسمعك على العيد وأنت تصيحين: (أنا يارا)، وغردي، لتنصفي بالترنيمة المقدسة كل الشهداء والأبطال".

...

فيا أيها المثرثرون بشأن الاستراتيجية والعدالة الثقافية: جاء عيد ووراءه عيد ولم تعد يارا إلى بيتها بعد.

##

مقالات اخرى للكاتب