08 - 07 - 2025

30 مليون طفل يُهددون مُستقبل العالم

30 مليون طفل يُهددون مُستقبل العالم

إذا كان "التعليم هو أقوى سلاح يُمكنك استخدامه لتغيير العالم، فكيف سيتغيّر العالم إلى الأفضل بوجود 30 مليون طفل لم يتمكّنوا هذا العام من الالتحاق بالمدارس في البلدان المتضررة من حالات الطوارئ أو الصراعات.

قد يمرّ الكثيرون على هذا الرقم مرور الكرام على أساس أن قضية حرمان الأطفال من التعليم في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة ليس بجديد، ولكن ماذا لو عرفتم أن عدد الـ30 مليون طفل الذين تم إحصاؤهم اليوم من قبل منظمة "اليونيسف" يقرب من نصف عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في جميع أنحاء العالم لأسباب أخرى لا صلة لها بالحروب او بحالات الطوارئ.

بالاستناد على هذه الإحصائية نطرح السؤال الأكثر إيلاماً: كيف يُمكن لهؤلاء الأطفال إعادة بناء مجتمعاتهم بعد انتهاء النزاعات؟ وكم من هؤلاء الأطفال سينخرط في التنظيمات المسلحة؟ ومَن منهم سيغدو مُجرماً أو مُشرداً، وكم عدد الذين سيكون بمقدورهم التغلب على الصدمات النفسية والتصدّي للبرمجة الفكرية؟، ربما تحتاج الإجابة على هذه الإشكاليات إلى دراسات ميدانية ومبادرات أُميمة كثيرة ومتنوعة.

وعلى العالم أن يتصوّر السيناريو الخطير الذي سيشكل مصير هؤلاء الأطفال في المستقبل القريب، أعتقد أن ارتفاع عدد الشباب المراهق المنخرط في التنظيمات المسلحة والمجموعات المتطرفة يمكن أن يعطينا جزءا من هذا التصوّر، إضافة إلى ما سبق ذكره يشكل منظر جُثث الأطفال المهاجرين في عبّارات الموت -هرباً من الجهل والفقر والمرض وبحثاُ عن الإنسانية- تجليا واضحا من تجليات مشكلة حرمان هذا العدد الكبير من أطفال العالم من التعليم الذي يؤهلهم ليعيشوا حياة طبيعية، فمن ليبيريا وسيراليون ونيجيريا، إلى سوريا وغزّة وليبيا والعراق يكاد المشهد يكون هو نفسه، كثير من المدارس الابتدائية، والثانوية، ما تزال مقفلة.

ويفيد تقرير "اليونيسف" الذي نُشرت فيه إحصائيات على شكل مذكرة إخبارية - نشرت في الأسبوع الأول من سبتمبر  2014 - أوضح أن ثلث المدارس - التي تم مسحها مؤخراً في جمهورية أفريقيا الوسطى- تعرضت للضرب بالرصاص، أو للحرق والنهب، أو ااحتلت من طرف جماعات مسلحة لا تقيم وزنا لهذه المدارس التي تربي الأجيال الناشئة في هذه الدولة، ناهيك عن تعرض طلاب ومعلمين للقتل والاختطاف في شمال شرق نيجيريا، بما في ذلك أكثر من 200 طالبة لم يتم إطلاق سراحهن بعد.

أما حالة التعليم في غزّة وتفاقم مشكلاته فحدث ولا حرج، حيث يوجد أزيد من 100 مدرسة بحاجة إلى إعادة تأهيل بعد أن تم استخدامها لإيواء أكثر من 300000 شخص نزحوا خلال عدوان إسرائيل الأخير على غز، والمشكلة نفسها يعاني منها قطاع التعليم في سوريا التي أكدت الدراسة المذكورة أن نحو 3 ملايين طفل سوري – يشكلون نصف طلاب المدارس - ضمن لائحة اليونيسف التي أثبتت أن هؤلاء الأطفال لا يأتون إلى المدارس بشكل منتظم.

وفي ظلّ التغير الواضح في طبيعة النزاعات، والتي باتت نزاعات داخلية في معظمها، لم تتمكّن المنظمات الأممية من تحييد المدارس وزرع وعدم الزج بها في أتون الحروب والصراعات لأنها وببساطة شديدة ليست أهدافا عسكرية، لكن غياب الأطراف الرسمية والأطر القانونية التي تستطيع فرض الالتزام بالاتفاقية الدولية في هذا الإطار هو ما يجعل محاسبة الجهات المعتدية على المدارس أمرا بالغ الصعوبة.

وإذا كان العجز عن حماية المدارس مُبرَّرا، فإن مسألة إعادة بناء هذه الصروح التعليمية تُشكّل العائق الأكبر والأخطر أمام مسيرة التنمية الفعلية، ومن الغريب أن الدول التي تنفق مبالغ هائلة على مكافحة الإرهاب تتناسى أن جزءا من هذه الموال لو أنفق على إعادة تأهيل المدارس وتشجيع الأطفال على الالتحاق بها فستضرب عصفورين بحجر واحد، الحد من الجهل الذي يعد السبب الأبرز لتفشي الإرهاب، والحد من استنزاف مقدرات الشعوب التي تحتاجها في مشاريع التنمية الأخرى.

وفي هذا الإطار، أعلنت جوزفين بورن -رئيسة برامج التعليم العالمية باليونيسف- أن برامج التعليم في حالات الطوارئ العالمية المدعومة من المنظمة لم تتلق سوى 2% من إجمالي التمويل الذي تم جمعه للعمل الإنساني في العام الماضي، مشيرةً إلى أن التعليم يمثل جزءاً أساسياً من الاستجابة الإنسانية، ويحتاج الدعم والاستثمار منذ بداية الأزمات، والعدد القياسي من حالات الطوارئ يعني أن هناك أطفالاً معرضين للخطر أكثر من أي وقت مضى ونحن نحتاج الموارد بشكل عاجل للوصول إلى هؤلاء الأطفال.

لقد ألزمت المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل الدول الأطراف بالعمل على توفير التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من آفة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، كما ألزمت الأطراف بضرورة تحييد الأطفال عن النزاعات المسلحة وتأثيرها، لكن المشكلة دوماً وأبداً تكمن في التطبيق وفي المنهجية الفكرية التي تُحرّك القرارات الدولية.

أما دور المُسلمين في عملية صناعة هذه القرارات على مختلف مستوياتها السياسية والأمنية فهو دور قاصر دائما عن تقديم الحلول والمشاركة في وضع تصورات لها، مما يعكس آثار ونتائج تلك القرارات على جيلٍ بأكمله يُحرم من حقّ التربية العقلية السليمة وتعلّم كُلّ ما هو نافع من العلوم الشرعية الثقافية، بالإضافة إلى اكتساب التوعية الفكرية التي تؤّمنها الصروح التعليمية.

عن أبي هُريرةَ رَضيَ الله عنه، قالَ (قالَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليْه وسَلـَّمَ):" إذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عمَلُهُ إلاَّ منْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أووَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".. فلما لا تكون الصدقة في تعليم طفلٍ مُشرّد قد يغدو فيما بعد عالماً تنتفع بعِلمه البشرية وتفخر به الإنسانية.

من دون تعليم نحنُ في خطر داهم.

 

The post 30 مليون طفل يُهددون مُستقبل العالم appeared first on IslamOnline اسلام اون لاين.