قبل أسبوعين تقريباً حدثت واقعة أقل ما توصف به أنها " في منتهى التفاهة " مقارنة بالأحداث المتصارعة التي وقعت وتقع في مصر، أبرزها الأعمال المتطرفة التي تنال من أبناء هذا الوطن نتيجة الإرهاب الأسود قبيح الوجه الذي يطُل علينا بين حين وآخر.. فضلاً عن الملفات والقضايا المهمة التي تنشغل بها مصر هذه الفترة على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي..
عن واقعة " كلب شبرا " أتحدث ، أو كما أطلقوا عليها ، والتي باختصار تعود إلى خلاف وقع بين صاحب الكلب وآخرين في منطقة شعبية ،أسفر في نهاية الأمر إلى ذبح الكلب بطريقة وحشية فقامت الدنيا ولم تقعد من أجل " القصاص للكلب " !!
إنتشار مقطع الفيديو لذبح الكلب على نطاق واسع وبسرعة شديدة على الإنترنت ربما نعتبره أمر طبيعي نظراً لطبيعة مواقع التواصل الإجتماعي في سهوله تداول البيانات ، ولأن طبيعة أغلب مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة فيس بوك يعتبرونه وسيلة للترفيه فلا بأس من نشر أي شئ طالما لا يكلفهم ذلك شيئاً بغض النظر عن أهميته أو صحته من عدمه ، لكن أن يفرض هذا الواقع في الفيس بوك نفسه على الرأي العام هذا ما لا أفسره سوى بالسفه الشديد في الطرح، لأن الكثير من وسائل الإعلام المصرية الآن وللأسف تبنى معظم موضوعاتها على ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الإجتماعي ..
اتصل بي أخي وأخبرني أن وائل الإبراشي يستضيف أسرة " قتلة الكلب " في برنامجه العاشرة مساءً ، فتحت التليفزيون سريعاً فوجدت أربع ضيوف في البرنامج ومداخلات هاتفية لمناقشة قضية " كلب شبرا " !!
قِس على ذلك نفس القدر من السفه الشديد لدى وسائل الإعلام آنذاك في تناول تلك الواقعة ، فضلاً عن الانحطاط الكبير لدى الإعلام المصري في تناول وطرح الموضوعات التي يقدمها للمواطن على مدار اليوم !!
وبالتزامن تقريباً مع ذلك ، تحدث واقعة أخرى أقل ما توصف به أنها في منتهى الإجرام والخسة والغدر ، حين يموت المواطن " كريم حمدي " في محبسه والذي عُرف بـ " محامي المطرية " نتيجة التعذيب الشديد على يد ضابطين من الأمن الوطني ، فتجد مفارقة شديدة للغاية في تناول الإعلام للواقعتين إلى الحد الذي يصيبك بالغثيان !!
أبواق إعلامية تصرخ ومنظمات حقوقية تشجب وجمعيات مدنية تستنكر تعذيب وذبح " الكلب " بطريقة وحشية وانعدام للإنسانية، بينما يُعذب مواطن في محبسه إلى حد الموت ذلك أمر لا يرقى لأن يصبح محل اهتمام الرأي العام ولا منظمات حقوق الإنسان، حتى قرر النائب العام سريعاً حظر النشر في القضية .. لينسى الجميع !!
مشهدان أمامك عينيك في نفس الزمان تقريباً ، أحدهما لإنسان والآخر لحيوان ، الأول سرعان ما حرصوا على حذفه من سياق الفيلم الكبير الذي نعيش فيه لأنه ببساطة مشهد مكرر وسخيف لا جديد فيه ولا إثارة وسئمه الجمهور ، أما الآخر اعدوا له كل الإمكانيات ليخرج للجمهور بكل تشويق وإثارة ..!!
إن ما حدث لهذا الكلب المسكين لا خلاف في أنه عمل همجي لا رحمة فيه ولا إنسانية، وقد أستوعب مثل هذا التضخيم في واقعة لتعذيب حيوان في بلد مستقر تماماً على شتى الأصعدة إلى الحد الذي يرى فيه الجميع مثل هذا السلوك كعمل إجرامي غريب ظهر في مجتمع مسالم ، ولكن أن يتصدر كل مشاهد القتل والإرهاب ناهيك عن الملفات السياسية والإقتصادية المهمة في مصر، وأن تتعالى فيه الأصوات للمطالبة بحقوق الحيوان في وقت لم نجد فيه حقوق للإنسان ، فهذا قمة السفه والإبتذال .. فأي حقوق للكلب تبحثون عنها يا ولاد الـ ... !!