04 - 07 - 2025

حكم القعود عن الجهاد خوفا على الأهل من الضياع

حكم القعود عن الجهاد خوفا على الأهل من الضياع

السؤال:
يقول جاري: لن أجاهد في سبيل الله ‏إذ لو مت لهلك أهلي بعدي، لن ‏يجدوا من يصرف عليهم، ويعتني ‏بهم.‏ فقلت له: لن تستطيع دفع الموت لو ‏جاءك!‏ فقال: ولكن إذا ذهبت فجاهدت ‏فقتلت، أكون ألقيت بيدي إلى ‏التهلكة، وأهلي أخاف عليهم من أن ‏يُهانوا في أعراضهم، وأموالهم؟ فهل حجته صحيحة؟

الفتوى:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فهذا الذي يذكره جارك، ليس حجة، ‏وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏أن الشيطان لا يزال يقعد لابن آدم ‏بكل طريق يطاع الله تعالى به، كما ‏حكى الله تعالى عنه قوله:  لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17}.

‏فالتخذيل عن الجهاد المشروع، ‏والتخويف منه بحجة الخوف على ‏النفس من الهلكة، أو على الأهل ‏والعيال من الضيعة، هو من فعل ‏الشيطان وتربصه بالعبد، قال النبي ‏صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ‏قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق ‏الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك، ‏ودين آبائك، وآباء آبائك؟ فعصاه ‏فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، ‏وقال: تهاجر وتدع أرضك، ‏وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل ‏الفرس في الطول، فعصاه، فهاجر، ‏ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: ‏تجاهد في جهد النفس، والمال، ‏فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، وتقسم ‏الأموال؟ فعصاه فجاهد، فمن فعل ‏ذلك كان حقا على الله أن يدخله ‏الجنة، وإن غرق كان حقا على الله ‏أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته ‏كان حقا على الله أن يدخله الجنة . ‏رواه أحمد والنسائي عن سبرة بن ‏أبي فاكه -رضي الله عنه- ‏
‏ وليعلم جارك أن الإلقاء باليد إلى ‏التهلكة، إنما يحصل بترك ما أمر الله ‏به، ومن ذلك ترك الجهاد المشروع ‏حيث وجب، فعن أسلم بن عمران ‏قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا ‏صفًّا عظيماً من الروم، وخرج مثله ‏أو أكثر، وعلى أهل مصر عُقبة بنُ ‏عامر صاحبُ رسول الله صلي الله ‏عليه وسلم، فحمل رجلٌ من ‏المسلمين على صفِّ الروم حتى دخل ‏فيهم، فصاح به الناس، وقالوا: ‏سبحان َالله! تُلْقِي بيدك إلى التَّهلُكَة؟! ‏فقام أبو أيوب الأنصاري، فقال: أيها ‏الناس، إنكم تتأولون هذه الآية على ‏هذا التأويل، إنما نزلت هذه الآية فينا ‏معشر الأنصار، إنَّا لما أعزَ اللهُ ‏الإسلام، وكثَّر ناصريه، قلنا بعضُنا ‏لبعض سرًّا من رسول الله صلي الله ‏عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، ‏وإن الله قد أعز الإسلام، وكثَر ‏ناصريه، فلو أقمنا في أموالنا، ‏فأصْلَحْنا ما ضاع منا، فأنزل الله على ‏نبيه صلي الله عليه وسلم يردُّ علينا ‏ما قلنا: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}، فكانت ‏التَّهلكةُ الإقامةَ في أموالنا ‏وإصلاحَها، وتَرَكنا الغَزْوَ. قال: وما ‏زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله ‏حتى دُفن بأرض الروم. رواه أهل ‏السنن وغيرهم، واللفظ لابن حبان، ‏قال الأرنؤوط: وإسناده صحيح.‏
فالجهاد المشروع هو ذروة سنام ‏الإسلام، وفضائله وما لأهله من ‏المنزلة مما لا يقادر قدره، والمجاهد ‏على خير أبدا، فإما يعود بالأجر ‏والغنيمة، وإما شهادة ينال بها عند ‏الله أرفع الدرجات، وأما أهله وعياله ‏فالله خليفة المجاهد عليهم، فالواجب ‏على المسلم أن يتوكل على ربه، ‏ويحسن ظنه به، ويعلم أنه خير ‏حافظا، وهو أرحم الراحمين، فيؤدي ‏ما أوجبه عليه الشرع كائنا في ذلك ‏ما هو كائن، عالما أن الله أرحم به ‏وبعياله من الأم بولدها. ‏

والله أعلم.‏