28 - 03 - 2024

الاستراتيجية الغربية الجديدة تجاه المسلمين: استعيروا «مفهومنا للدين

الاستراتيجية الغربية الجديدة تجاه المسلمين: استعيروا «مفهومنا للدين

الاستراتيجية الغربية الجديدة تجاه المسلمين: استعيروا «مفهومنا للدين
زين العابدين الركابي
السبـت 22 شعبـان 1432 هـ 23 يوليو 2011 العدد 11925
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي

دفع الغربيون - أوروبا وأميركا - قضية الاهتمام بالإسلام - دينا وأتباعا - إلى مقدمة أولوياتهم الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد الأحداث النكدة - والمريبة - التي عرفت اليوم إعلاميا بأحداث 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، ثم بسبب ما يموج به الوطن العربي من انتفاضات اليوم.. وثمة أسباب أخرى عديدة حملتهم على هذا الاهتمام الكبير بالإسلام (قد نعود إلى ذكرها في طرح قابل في هذه الجريدة).. وقد تبين لهم من تجاربهم وخبراتهم في هذا الشأن استحالة كبت الإسلام بإطلاق، أو القضاء عليه بالحروب العسكرية أو تشكيكات المستشرقين، ومراكز الدراسات التي طورت تشكيكاتهم وأخرجتها في صور وأشكال جديدة. وإذ أقروا - اضطرارا - بهذه الاستحالة، فإن إرادة مواجهة الإسلام لا تزال قائمة، ومن هنا توصلوا إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع الإسلام والمسلمين، وهي استراتيجية تعميم «المفهوم الغربي للدين» وتلقينه من ثم للمسلمين لكي يقلدوا الغربيين في مفهومهم هذا.

ولكن ما هو «المفهوم الغربي للدين» بادئ ذي بدء؟

لبثت أوروبا أحقابا تتلظى بصراع لاهب ومرير بين الكنيسة والدولة. أو بين السلطتين: الدينية والزمنية.. ويرجع هذا التقسيم – على الأرجح – إلى القرن الخامس الميلادي حيث قرر القديس أوغسطين أن السلطة الزمنية – أو المدنية – قامت على أساس الشر والغدر لأنها من صنع البشر ولذلك يجب أن تخضع لسلطة الكنيسة وهي «الهيئة التي تمثل مدينة الله وتعمل على إقرار رسالته» حسب قوله أو تعريفه.. ولقد استمر الصراع قرونا طويلة حول هذه المفاهيم.. ومن عوامل الصراع الأعمق والأبرز عامل «الحكم بالحق الإلهي»، وعامل «الحكم المطلق: المرتكز بطبيعته على الحكم بالحق الإلهي».. ومن بعد نشأت أسباب أخرى للصراع: في طليعتها:

1) اجتهادات وصدامات مارتن لوثر الجريئة، وحملته على صكوك الغفران مثلا، وحكمه الصارم عليها بأنها (لا قيمة لها قط، وإنها مجرد خدعة للسذج البلهاء من الناس).

2) رفض الكنيسة لمنهج العلم التجريبي ونتائجه.. مثال ذلك أن العالم الإنجليزي الكبير والمخترع روجر بيكون لم يثبت أنه كان ملحدا، ولا مهرطقا في الدين (من تعريفات الهرطقة: المخالفة في الرأي)، ومع ذلك اضطهد أيما اضطهاد وسجن مدة طويلة، ولم يطلق سراحه إلا لكبر سنه (حين بلغ ثمانين عاما)، ولقد مات في ذات العام الذي خرج فيه من السجن.. يعلق الكاتب المصري القبطي سلامة موسى على ذلك فيقول: «والدين في نفسه لا يمكنه أن يضطهد العلم وإنما الاضطهاد يرجع إلى الكهنة، ولكن الكهنة أنفسهم لا يمكنهم أن يضطهدوا أحدا ما لم تكن السلطة في أيديهم».

3) خطيئة محاكم التفتيش.. ففي عام 1233 أصدر البابا غريغوري الرابع أمرا للأساقفة بأن يستخدموا أسلوب (الاعترافات) التي يدلي بها الناس تحت التعذيب المهول: استخدامها في سحق الهرطقة بلا رحمة.. محاكم التفتيش هذه استمرت خمسة قرون تحولت فيها أوروبا إلى أقبية من الرعب والظلام والتجسس الممنهج والتعذيب إلى درجة اتهام الميتين الذين اتهموا بعد أن ماتوا، وتجريدهم – وورثتهم جميعا – من أموالهم وممتلكاتهم، كما حصل للفرنسي جيراردو الذي حاكمته محاكم التفتيش بعد موته بسبعين عاما!! وجردته وأولاده وأحفاده من ممتلكاتهم. إن هذا كله تسبب في نفور عام من الكنيسة وكهنتها.. وبالخلط – الجاهل أو المتعمد – بين الدين وبين حملته المسيئين إليه، حصل النفور الأوروبي العام من الدين المسيحي كله.

هنالك، تنادى الأوروبيون وتواصوا بإيجاد «مفهوم للدين» ينقذهم مما حل بهم من كوارث وفواجع.. ولقد تبلور هذا المفهوم في خصائص عديدة منها:

أ) فصل الدين عن الدولة (وهذه هي الفكرة الأصلية): التي ترتب عليها

ب) فصل الدين عن الأخلاق.

ج) نسبية الأخلاق، وهي نسبية أغرت الرأسمالية بالتوحش وطحن الناس بقسوة، كما أغرت الساسة الأوروبيين بـ«الاستعمار» الذي نهب خيرات الأمم، وأذل أبناءها، فهذا الاستعمار فضيلة أخلاقية عند هؤلاء الساسة من حيث أن الاستعمار «تنوير وتمدين» للشعوب المتخلفة أو المنحطة، بتعبيرهم.

د) إقصاء الدين عن تفسير أي حدث وأي واقعة - كونية أو بشرية - ومنذ سنتين – تقريبا – أصدر الاتحاد الأوروبي (نعم الاتحاد الأوروبي)! بيانا يندد فيه بمبدأ «الخلق» للكون، وقال: إن الأخذ بهذا المبدأ مناهض للتقدم العلمي والتكنولوجي.

هـ) لا تشريع يتلقى من السماء، إذ هو من حق الناس، لا من حق الله، على حين أن القرآن أخبرنا أن الإنجيل فيه شريعة وفيه حكم: «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه».

و) إلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على حين أن هذا المبدأ (شرعة) عند أهل الكتاب بنص الآية الـ 114 من سورة (آل عمران).

وفي غرور كبير توهم الأوروبيون أنهم حلوا الإشكال في العلاقة بالدين، مع أنه حل أنجب أزمات روحية وأخلاقية واجتماعية طاحنة باعتراف كبار مفكريهم وساستهم مثل: زبيغنيو بريجنسكي، وجيمس بيكر، ورونالد سترومبرج.. ثم اقترن الغرور باستعلاء حضاري – إن صح التعبير - بمعنى أنهم زينوا لأنفسهم أن يحتلوا عقول المسلمين بمفهومهم هذا عن الدين، وذلك لتحقيق هدفين: هدف مواجهة الإسلام الصاعد – باعترافاتهم هم - وهدف إخضاع المسلمين لنموذجهم الديني والسياسي والفكري والثقافي والاجتماعي الخ.

قال مستعمر بريطاني لزميل له: لا يكفي للسيطرة على الهند أن يكون لنا عملاء كثر وأقوياء فيها.. نعم هذه خطة جيدة، ولكن هناك ما هو أجود منها وهو: أن نجعل جميع الهنود يفكرون كما نفكر.

ويبدو أن الغربيين قد اختاروا هذه الخطة للتعامل مع المسلمين: في الحاضر والمستقبل، أي خطة أن يفكر المسلمون في عقيدتهم وكتابهم وسنة نبيهم وحياتهم الاجتماعية والأخلاقية، كما فكر الأوروبيون على نحو أدى إلى فصل الدين عن الدولة والأخلاق والحياة الاجتماعية، وعلى نحو يكون الإسلام فيه بلا شريعة، ولا أمر ولا نهي، ولا دعوة، ولا حياة اجتماعية مهدية بذلك كله، وكأن شعارهم: لنسقط متحدين: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ».

 

مقالات اخرى للكاتب

بطريرك الأقباط الكاثوليك يزور دير سيدة البشارة بالإسكندرية





اعلان