25 - 04 - 2024

أكتب رؤيتي ووعيي ونصي الموازي

 أكتب رؤيتي ووعيي ونصي الموازي

دائما ما يسألني أحدهم ألا يؤثر النقد على الإبداع؟ ألا يؤثر الوعي النقدي على كتابتي الإبداعية؟ وكثيرا طبعا ما سمعت مقولة ما الناقد إلا مبدع فاشل؟

لكنني لم أقف يوما عند هذه الأسئلة، وسوف أبرر عدم توقفي أمامها، ليس تجاهلا للسائل والسؤال إنما لقناعتي الشخصية أن النقد هو إبداع موازٍ، لا يقل في إبداعه عن النص الإبداعي الأصلي، إنني حين أكتب رؤيتي لعمل إبداعي ما إنما أكون واعية لفكرة أنني أكتب نصا موازيا للنص الأصلي، نص يحاول أن يثبر وعي النص الأصلي ويحاوره، ويطرح عليه أسئلة، لذا لم أكتب يوما بطريقة النقد المدرسي الذي يجري وراء النص في تفاصيله، إنما غالبا أكتب رؤيتي أنا لنص المبدع، وقد أطرح أسئلة لم يقصد إليها المبدع ولم يعيها ولم يعنيها، لأنني في هذه اللحظة إنما أكتب نصي الخاص الموازي.أما مقولة أن الناقد إن هو إلا مبدع فاشل، أي أن الناقد لا يلجأ للنقد لا بعد أن يفشل في تحقيق مشروعه الإبداعي، فأنا ضدها تماما، لأنني أولا كتبت النقد بعد أن كنت قد أصدرت روايتين ومجموعة قصصية ومتوالية سردية، أما السبب الثاني والأهم في رفض هذه المقولة أن المبدع لم يعد هو الذي يجلس في برجه العاجي يكتب إبداعا وكفى، فالمبدع الآن مطالب بالمعرفة والمثاقفة، والوثائقية أحيانا أخرى، المبدع يجب أن يبدع ووراء هذا الإبداع وجهة نظر ورؤية للعالم، فيجب عليه أن يقرأ في الفكر والفلسفة والنقد والعلوم الطبيعية والتاريخ والأنثربولوجيا حتى يأتي نصه حاملا لهذه الرؤية العميقة للعالم، فهذه العلوم والمعارف تعتبر رافدا أساسيا لأبداع المبدع.

فدان براون مثلا حين كتب روايته الأشهر " شفرة دافنشي" إنما بحث في التاريخ والمسكوت عنه في حياة المسيح وقرأ الأناجيل غير المعترف بها وخاصة أناجيل البحر الميت، قرأ في كل هذه المعارف ليقدم لنا رواية مميزة تطرح الأسئلة وتحاور التاريخ، وقد فعل كذلك مبرتو إيكو في ورايته " اسم الوردة عاد أيضا إلى التاريخ، وبحث في حياة الرهبان، إنه يجمع في كتاباته بين فلسفة اللغة والترجمة وتأويل النص والخلق الإبداعي، ممثّلاً في خمس روايات من بينها الرواية الشهيرة «اسم الوردة». ويتميّز أيضاً أنه على خلاف الكثير من الروائيّين الذين يكتبون سيرة حياتهم عندما يتقدّم بهم العمر، يكتب سيرة أسلوبه في الكتابةوقد قال الروائي سعيد نوح في حوار له في أخبار الأدب قبل سنوات أن الرواية التي تخلو من معرفة هي رواية تخون قارئها، سعيد نوح نفسه حين كتب رواية ملاك الفرصة الأخيرة قرأ عشرات الكتب في التاريخ والفلسفة والنقد والأنثربولوجيا والميثيولوجيا ليقدم لنا نصه الفاتن محملا بالكثير من مساءلة العالم ومساءلة التاريخ، ولم يكتف فقط بسرد الحكايات.






اعلان