24 - 04 - 2024

أنا لسْتُ مبدعًا فاشلاً وليس أَنْتَ ناقدًا حاذقًا

أنا لسْتُ مبدعًا فاشلاً وليس أَنْتَ ناقدًا حاذقًا

حقًا، هل أنا مُبدعٌ فَاشِلٌ؟ كما ينظر بعض المبدعين إلى الناقد كنوعٍ من التقليل من قيمة الناقد وتقزيم لدوره، أم أنّ المسألة يجب أن يُنْظرَ إليها من زاوية أخرى تعيد إلى الأذهان الوظيفة الحقيقة للناقد بدلاً من إلقاء التّهم جُزافًا، فالناقد بصفته قارئًا يمتلك شرائط خاصّة، لا يعيدُ قراءة النّص الإبداعي وشرحه بلغةٍ مُتخفِّفة أو حتى مطلوب منه أن يتغزّل بالنّص ومجازاته وأدواته، فدور الناقد الحقيقيّ الذي لا ينفصل عن المعاني التي يحيل إليها المعجم كما هو وارد في مادّة «نَقَدَ»، يتمثّل في تمييز جيّد العمل الأدبيّ عن رديئه، واختبار صحيحه مِن زائفه وغيرها. وهذه القدرة التي تستوجب في الناقد خبرةً ومراسًا أكثر مما قد يخوّلهما فعل الكتابة الإبداعية، علاوة إلى معرفة بأسئلة الكتابة وطرائقها، وهو ما يصل به إلى اختبار هذه الأدوات التي صار بها النص نصًّا في تماسكها وترابطها، مستوضحًا الرؤية الفكرية التي تقبع وتشكّل هذا العالم المــُـشيّد باللُّغةِ.

ربما هناك مَنْ  يلوِّح بأن «الإبداعَ سَابقٌ ـ في الوجود ـ  على النقد»، وهي المـُسلَّمة التي لا يُنْكرها الناقد ذاته، فأجيب بأن هذا الإبداع على المقابل لن يتحقّق وجوده إلا بالاعتراف به مِن قبل هذا الناقد الذي يُعطي له معنًى شرعيًا بتلك المـُمارسة المنهجيّة التي يقوم بها، وقد يجد الكثيرون في كلام رونان ماكدونالد الناقد البريطاني الذي طرحه عن «موت الناقد»، فرصتهم لاستغلاله وتأكِّيد مزاعمهم بخفوت دور الناقد وانزواء بعضهم في أبراجهم البابلية المزعومة، وهو ما لا أُنكر بعضه، وإن كنتُ على الأقل لا أؤكِّد معظمه، فالواقع يقول إنه رغم ما يحيط بالنقد من اتهامات أبسطها مدى قدرته على متابعة هذه الكتابات التي تتميّز بالغزارة، فإنه في الوقت ذاته مُنْشغل على الجانب الآخر بصياغة الأسئلة التي يواجه بها هذه الكتابات الجديدة، وأيضًا بتطوير أدواته ومناهجه لتستوعب الجديد حتى لا يقف عاجزًا عن ملاحقة هذه التطورات وتحرير الكتابة من أشكالها المألوفة، وهو ما يستلزم منه الانشغال بجانبين الأوّل: تطويع نظرياته ومفاهيمه لتستوعبَ الجديد، والثاني إعادة قراءة بعض النصوص ـ في ضوء ما أفرزته النظرية النقدية من جديد ـ لكُتاب صارت أعمالهم بالتراكم سلطة يصعب اختراقها أو حتى الاقتراب منها.

وفي ظلّ اكتشاف آليات جديدة للتقييم والحُكم في ظلّ شيوع المدونات والصفحات الخاصّة على الفيس بوك وتويتر، وهو ما سَحَبَ البساط من الناقد المنهجي إلى آخرين يمارسون دوره، وإن افتقدوا أدوات الممارسة المنهجية التي يمتلكها، كل هذا لا يقلِّل من أهمية الناقد ودوره المحوري في العملية الإبداعية كطرف أصيل يقيِّم تارة ويحفِّز تارة أخرى المبدع على التحرّر بتطوير أدواته وأنساقه استيعابًا لتحرير الإبداع.

وبعد، هل لدينا أزمة نقد؟ ضميري الأدبي يُلزمني أن أعترف بيقين نعم. لدينا أزمة نقد، والأعجب ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة رغم بعض المحاولات التي نشأت للحدّ من هذه الأزمة، إلا أنها في حقيقة الأمر كرّست للأزمة، وزادت منها في بعض جوانبها، فقد وجدت هذه المحاولات الحلّ  الأمثل للخروج من الأزمة يتمثّل في الإغراق في المناهج الغربية، والتي وجدّها المتخصّصون، وبخاصّة الأكاديميون بديلاً يُلبِّي احتياجاتهم، أما الآخرون وهم الأكثرية، فوجدوها على النقيض تمامًا، بما أحدثته من تغريب للنّص  وصرف القارئ العادي عن النقد وعن الأدب برمته.

قد تبدو لي المساهمات الفردية التي يقوم بها البعض من خلال اجتهاداتهم في النقد التطبيقي حلاً، لكن غياب المنهجية التي يُمارَسُ بها زاد من الأزمة، حيث سادت فوضى نقدية دون رادع لها، بدخول أطياف غريبة المجال لا علاقة لها بالنقد، والأنكى أنه صار يُعْتَدّ بآرائهم في تحكيم المسابقات الأدبيّة، وهو ما كان له دوره السّلبيّ في عدم الاطمئنان لمصداقية هذه اللجان وجوائزها. وغياب المعيارية نابع عن غياب المنهج في حياتنا كما يقول أستاذنا البحراوي ـ وبما فيها النقد ـ هو سبب أزمتنا الحقيقي، والعثور عليه كفيل بحلّ كل مشاكلنا بما فيها النقد الذي هو ميدان لا ينفصل عن الميدان العام. لكن، كيف والطبقات السّائدة تقف في وجه التقدّم الذي أصبح ضدّ مصالحها ؟ على حدِّ قوله.

##

 

 






اعلان