25 - 04 - 2024

النقد أسلوب حياة

النقد أسلوب حياة

النقد بالنسبة لي أسلوب حياة أتمنى أن أطبقه في حياتي اليومية دون فصل بين ساعات البحث والدراسة وساعات التعامل مع مختلف جوانب الحياة. والذي يجعلني أتمنى أن يكون النقد أسلوب حياتي هو أن فهمي للنقد أنه طريقة تعامل مع ظواهر الحياة الاجتماعية والثقافية وفي القلب منها الأدب يمكن لصاحبه إذا حسن التدرب والتعلم أن يفرز المزيف من هذه الظواهر والحقيقي، ويمكنه ان يقترب من إنسانيته الفردية أكثر كلما كان النقد أداته لدحض مركزية وما هو مزيف ومضاد للإنسانية ودعم ما مهمش وإنساني. لهذا كنت منذ بداية مساري على طريق التخصص في دراسة الأدب العربي الحديث والنقد الأدبي واعيًا بانني يجب أن أرفض بعمق كل  محاولات التطبيع  الثقافي بين عقلي النقدي الإنساني ونظريات وممارسات  نقدية كان من نتائجها تحويل الناقد إلى آلة صماء كأنه لم تمسه روح الإبداع يومًا!

النقد بالنسبة لي وسيلة لمقاومة الاستبداد السياسي والديني وسبيلي الذي اخترته لكشف عوارنا الثقافي وتناقضاتنا المتجذرة في نصوصنا وممارساتنا اليومية.

ولهذا لا أكتب نصَا نقديًا سواء كان كتابًا أو مقالة لا تتجاوز نصف صفحة إلا إذا كنت أجد ذاتي الإنسانية المبدعة فيه، ومن ثم أدين بالشكر لكل نص إبداعي حفزني لأجد بعضًا من ذاتي فيه وأتفاعل معه لأكون على الدرجة ذاتها من الإبداعية بالمعنى العام ؛ ذلك أن الإبداع أنجع الطرق لتنقية العالم الإنساني من الشوائب!

وبطبيعة الحال، لا ارى أن الوضع في عالمنا العربي يمنح للناقد رفاهية الوجود باعتباره ناقدًا يقتات قوت أولاده من نقده؛ وهنا أتكلم عن نقد مهموم بتغيير الواقع وليس عن نقد ونقاد يكرسون للواقع الذي يتواطؤون معه بتغييب العقل النقدي في مؤسسات تعليم الأدب والنقد! ومن ثم النقد كمهنة إلى زوال لأسباب مختلفة، ولكنه كدور يختار البعض أن يلعبه في حياته ليثبت به جدارته بمفهوم الإنسانية هو دور آخذ في القوة والحضور والاتساع حيث الخروج من حدود النص الأدبي إلى الظواهر الثقافية، وحيث الخروج على الأعراف الأدبية المتوارثة بحثًا عن أعراف أكثر استيعابًا لاختلافاتنا وأكثر تعبيرًا عن إنسانيتنا في حاضرنا ومستقبلنا.

إن النقد جزء من تاريخنا السياسي ولا يمكن ان ينصلح حال النقد ما لم نعد إلى التاريخ أولاً، ولا عودة لنا للتاريخ إلا عبر بوابة السياسة. فلابد من توفر إرادة سياسية معبِرة عن رغبة أمة في العودة للتاريخ ونفض الغبار عن عيونها وعقولها. وكلي أمل إنه إذا توفرت هذه الإرادة وتلك الرغبة سيخرج من تحت الأنقاض مئات العقول النقدية القادرة على إعادة هذه الأمة إلى التاريخ الإنساني، حيث سيمكن بعد ذلك الحديث عن إصلاح التعليم الجامعي وقبل الجامعي وفي القلب منه تدريس اللغات والآداب والثقافات المختلفة والعلوم الإنسانية إلى جانب الحديث عن إصلاح الاقتصاد والأمن.

([1])ناقد أدبي. أستاذ مساعد زائر الدراسات العربية، جامعة بريجهام يونج.أمريكا. يصدر له خلال أيام عن دار كتب خان  كتابه الجديد" صورة الشعب بين الشاعر والرئيس "فؤاد حداد- ناصر. السادات. مبارك". وله أيضًا من الكتب : الآخر في الثقافة الشعبية، آليات السرد بين الشفاهية والكتابة، كيف نحكي المواطنة.. نحو مراجعة نقدية للثقافة المصرية.

##

 






اعلان