أحسب التحليل الثقافي للأدب غير متناقض مع الانطلاق من منهجيات النقد الأدبي بالأساس، لكنه لا يقف عند حدودها. بعبارة أخرى؛ يرتكز التحليل الثقافي للأدب على مقولات النقد الأدبي وأدواته التحليلية، ولكن ضمن عملية انعكاس متشككة حول صلاحية الحدود الموروثة للنقد الأدبي كصيغة معرفية. وفي الوقت نفسه تسعى هذه العملية لتجاوز النقد الأدبي كنوع ذي حدود منهجية صارمة كان للتصورات البنيوية فيها أثر أساسي -بكل ما يميز البنيوية من انغلاق وانفصال عن العالم ورغبة في السيطرة على حركية الدلالة- لتتحرك تلك العملية المركبة نحو الاستعانة بأفكار وأدوات تحليل من مجالات معرفية أخرى، بوصفها خطوة منهجية أخيرة في تحليل الأدب كمنتج ثقافي غير منفصل عن سياقاته الاجتماعية والسياسية، خاصة ما يتصل بمسائل العرق والنوع والطبقة، بل كجزء علائقي ضمن سياق ثقافي واسع.
استنادا للفكرة السابقة؛ أحسب أن انفلات النقد الأدبي من أحادية النوع وانفتاحه على عالم التحليل الثقافي، يأتي عبر انطلاق الناقد من إدراك جماليات النص الأدبي بالأساس؛ طبقا لأية منهجية تحليلية يختارها، دون أن ينظر إلى بلورة بعض الجماليات، والوقوف على بنيات محتملة للنصوص هما منتهى عمله؛ إذ يمكنه بعد ذلك الانفتاح على الثقافة فهما وتحليلا ونقدا عبر استخدام أفكار وأدوات تحليل ومنهجيات من مجالات معرفية أخرى. كما أحسب أن التركيب المنهجي الذي يقوم به الناقد كي يصبح نصه النقدي متجاوزا للنقد الأدبي في صورته المدرسية، ومتماسا مع النقد الثقافي بما يتميز به من تعددية منهجية ورؤيوية، هو تركيب يتسم بمرونة تمثل جزءا من وجوده، ما يعنى أن وجود معادلة تركيبية معينة لأدوات التحليل الثقافي مشروط منذ البداية بإمكانية التبدل والتغير تماشيا مع مقتضيات النصوص ومع أهداف القراءة في الوقت نفسه، بشرط أن يحافظ هذا التركيب المنهجي على التجانس القادر على تبرير وجوده وطموحه لتحليل النص الذي يتعرض له ضمن تعالقاته الثقافية، فيتبدى كلاهما (النص الأدبي والثقافة) عبر منظور منهجي تركيبي مرن، وغير قابل للتثبيت النهائي. من هنا أرى انفتاح النص النقدي عملية مستمرة تشبه تحريك قطع الشطرنج التي تتشكل خططها في كل مرة بصورة مختلفة طبقا لتوجهات اللاعب/ الناقد ولإمكانات النص وشروط الواقع الثقافي جميعا، لكن قواعد اللعبة نفسها في حالتنا تلك لم تعد خارج إطار المناقشة وإعادة النظر والتعديل.