يحتفل العالم بعد غد /الاثنين/ باليوم الدولي للديمقراطية 2014 تحت شعار "إشراك الشباب في الديمقراطية"، حيث يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الشباب والفرص المتاحة لهم من خلال إشراكهم في العملية الديمقراطية.. فالأفراد ما بين سني 15 و25 يشكلون خمس سكان العالم.. وفي البلدان النامية، تزيد النسبة عن ذلك مع ملاحظة أن أغلب الشباب اليوم يعيشون في بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل.
ومع ذلك تظهر الدراسة تلو الأخري قلة ثقة الشباب في السياسة التي نعرفها، مع انخفاض في مستوى المشاركة في الانتخابات والأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية التقليدية في كل أنحاء العالم، وهذا ينطبق كذلك على الديمقراطيات الراسخة والناشئة على السواء، وفي نفس الوقت يتزايد عدد حركات التغيير الديمقراطي التي يقودها الشباب في عدد من البلدان بما فيها البلدان الهشة، وباستخدام وسائل اتصال جديدة في الشبكات الاجتماعية، يحفر الشباب معلمهم في عملية بناء الديمقراطية بسبل مبتكرة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في سبتمبر2007 الاحتفال يوم 15 سبتمبر باليوم الدولي للديمقراطية، حيث يتيح يتيح اليوم الدولي للديمقراطية فرصة لاستعراض حالة الديمقراطية في العالم.. والديمقراطية تعد عملية من العمليات بقدر ما هي هدف من الأهداف، ولا يمكن لمثال الديمقراطية أن يتحول إلي حقيقة واقعة يحظي بها الجميع في كل مكان إلا من خلال المشاركة والمساندة الكاملتين من قبل المجتمع الدولي والهيئات الوطنية الحاكمة والمجتمع المدني والأفراد أيضا.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون - في رسالته بهذه المناسبة - إننا "نحتفل باليوم الدولي للديمقراطية في عامنا هذا والعالم يبدو أكثر اضطرابا من أي وقت مضى.. ففي مناطق كثيرة وبطرق عديدة، تمتحن قيم الأمم المتحدة وتعترضها التحديات، ومن بينها ما هو من أبسط الحقوق والحريات المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة، وترسخ أعمال العنف التي اندلعت في الآونة الأخيرة حقيقة تلوح لنا المرة تلو الأخرى، وهي أن لا سبيل إلى تعزيز بذور السلام والمساواة والرخاء المشترك ما دامت المجتمعات لا تدمج جميع أبنائها والحكومات لا تلبي المطالب ولا تخضع للمساءلة، ولا بد لنا أن نبذل المزيد من الجهود من أجل تمكين الأفراد، مع التركيز على آلاف الملايين من المحرومين والمهمشين والعاطلين والبائسين وممن فقدوا الأمل لأسباب لا يصعب فهمها، وعلينا أن نكفل لهم مجالا يتسع لأصواتهم وأن نمكنهم من المشاركة بشكل إيجابي في رسم مستقبلهم".
وأضاف أنني "أتوجه برسالتي اليوم إلى من سيصبحون في طليعة الصفوف في عالم ما بعد عام 2015 ومن هم بطبيعة الحال في منعطف مهم من مسيرتهم الحياتية، إنهم الشباب، فكل شخص من خمسة أشخاص في عالمنا اليوم يتراوح عمره بين 15 و24 عاما، ولعل الانتقال من مرحلة الشباب إلى سن البلوغ لم يكن قط مثقلا بهذا القدر من التحديات وغاصا في الوقت نفسه بذاك القدر من الفرص، فبوسعكم أيها الشباب أن تتواصلوا اليوم بسبل ما كانت لتخطر ببال عندما أسست الأمم المتحدة منذ ما يقرب من 70 عاما، وأنتم تتواصلون بشأن قضايا مهمة، فتتحدثون عن غياب العدالة تارة وعن التمييز تارة أخرى وعن انتهاكات حقوق الإنسان وخطاب الكراهية وضرورة تضامن بني البشر تارة ثالثة".
ودعا مون أبناء هذا الجيل من الشباب الذي هو الأكثر عددا على الإطلاق في تاريخ البشرية، إلي أن "يواجهوا التحديات وأن يمعنوا التفكير فيما يمكنهم القيام به لكي يتغلبوا عليها، لكي يتحكموا في مصائرهم ويترجموا أحلامهم إلى غد مشرق للجميع، لكي يساهموا في بناء مجتمعات ديمقراطية أقوى وأفضل، لكي يعملوا جنبا إلى جنب ويعملوا الفكر الخلاق".
وأشار تقرير صادر عن الاتحاد البرلماني الدولي أنه يجب على جميع البلدان تعبئة الشباب في الحياة السياسية من أجل الديمقراطية، ونادي الاتحاد البرلماني الدولي باتخاذ خطوات جريئة، ويتمنى أن تتغير العقليات حتى يتمكن الشباب في جميع أنحاء العالم، الذين لا يشعرون بأنهم معنيون، بل ويعتقدون أنهم يبتعدون من المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية.
وقال رئيس الاتحاد البرلماني الدولي السيد عبد الواحد الراضي "فمن قبيل الابتذال أن نربط بصورة منتظمة بين الشباب والمستقبل.. إن الشباب لا يتمتعون بالقدرة على صياغة المستقبل فحسب، وإنما على تصميم الحاضر أيضا، ومع ذلك، فإنهم ممثلون تمثيلا ضعيفا في مجالات القرار السياسي، وهذا وضع يجب أن يتغير.. فالشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة يمثلون 20 % من سكان العالم، ولكن البحوث التي أجراها الاتحاد البرلماني الدولي مؤخرا أظهرت أن أقل من 2 % من البرلمانيين لا تتجاوز أعمارهم 30 سنة، وإذا اعتبرنا الفئة العمرية بين 20 و40 سنة ، فهي لا تتجاوز 12 %".
وأشار إلي أنه في معظم البلدان هناك فرق بين سن الاقتراع وسن الترشيح، وهو أمر ينطوي على تأثير مباشر على البرلمانات في البلدان التي يتكون سكانها من الشباب.. وهكذا في معظم البلدان، يكتسب حق التصويت في سن 18، في حين يكتسب حق الترشيح في سن 22، وفي ثلثي البلدان لا يؤهل للانتخابات إلا المواطنون الذين لا تقل أعمارهم عن 25.
وأضاف أن "معدل مشاركة الشباب في الانتخابات يبعث أيضا على التفكير في جميع مناطق العالم، مهما كانت المنطقة، فمشاركة الشباب إما تتقلص منذ عدد من السنوات أو هي منخفضة إلا في عدد قليل من البلدان.. ففي أفريقيا 65 % من السكان تقل أعمارهم عن 35 سنة، ومتوسط أعمار أعضاء البرلمان أصغر من متوسط أعمار الأعضاء في أي مكان آخر.. ومع ذلك، فإن الوضع مقلق جدا نظرا لانخفاض معدل مشاركة الشباب في الانتخابات وفي حركات التغيير، ولئن كان تراجع إقبال الناخبين في أرجاء العالم ينسب إلى حد كبير إلى الانتخابات التي تجرى منذ عام 1990، فقد كان الشباب في طليعة العديد من الحركات الرئيسية لتعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الأحداث التي كانت وراء الربيع العربي، بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدامهم لوسائل الإعلام الاجتماعية لإسماع أصواتهم يعد محركا رئيسيا للتغيير ما فتئ يغدو قويا.
وتابع الراضي "ومع ذلك، فإنهم ما يزالون على هامش الحياة السياسية.. لذا فقد أصبح من الأمور المستعجلة أكثر من أي وقت مضى، تضافر الجهود لتقديمهم إلى الساحة السياسية، لذا يوصي الاتحاد البرلماني الدولي بمجموعة من التدابير الرامية إلى تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، وعلى وجه الخصوص، فإنه يدعو إلى مواءمة الحد الأدنى لسن الحق في التصويت مع سن الأهلية للترشيح، وإدخال حصص المقاعد البرلمانية للشباب، وتعزيز التثقيف السياسي والمدني في المدارس".
وأوضح أنه بالمثل، يرى الاتحاد أن للأحزاب السياسية أيضا دورا حيويا، إذ يمكنها أن تلتقي بالشباب، وإدراج حصص للشباب في القوائم واتخاذ الخطوات اللازمة لإشراكهم في اتخاذ القرارات، مما قد يساهم إلى حد كبير في النهوض بمشاركة الشباب واستعادة ثقتهم بالسياسة.
ورأى الراضي أن الديمقراطية الحقيقية، التي تنطوي على التغيير، يجب أن تكون قادرة على تسخير طاقة الشباب ومراعاة رؤيتهم ومعتقداتهم، فبالنسبة إليه، تكون الديمقراطية مثل عدمها إذا لم تكن تعبر عن كل الأصوات في المجتمع، وأشار إلي أنه يجب علينا أن نقوم بما هو ضروري لاستقطاب المزيد من الشباب في الأحزاب السياسية والبرلمانات والحكومات، منوها بأن الزيادة في عدد الشباب المنتخبين أو المعينين مؤخرا في حكومات مثل فرنسا وإيطاليا تعد مثالا إيجابيا.
ولفت إلي أنه في جهد لتعزيز مشاركة الشباب، قام الاتحاد البرلماني الدولي في عام 2013، وهو يضم 164 برلمانا عضوا، بإنشاء منتدى الشباب البرلمانيين وذلك للاستفادة من مساهمة الشباب في اتخاذ القرار على الصعيدين المؤسساتي والسياسي، كما أنه سيقوم بتنظيم المؤتمر العالمي الأول للبرلمانيين الشباب، الذي سيعقد في جنيف يومي 10 و11 أكتوبر 2014، بمساعدة من منظمة الدعم العالمي للتنمية، والذي سيساعد على إيجاد طرق عملية لتعزيز انخراط الشباب ومشاركتهم في الحياة السياسية، هاتين المبادرتين هما الخطوات الأولى التي قام بها الاتحاد من مبادرات أوسع في نطاق التزامه تجاه الشباب والسياسة.
وقال "لقد أصبح العمل مع الشباب على أساس تخصصي، واحدا من الاتجاهات الرئيسية التي بدأت تشق طريقها في غالبية البلدان والمجتمعات، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية، وإكسابها المهارات، والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المطلوب لضمان تكيفها السليم مع المستجدات، وتدريب القادة الشباب في مختلف الميادين المجتمعية، لكن ما يجب الإشارة له هو أن هوة واسعة كانت ولا زالت قائمة بين الشباب في البلدان المتقدمة والشباب في البلدان الفقيرة والنامية؛ لأسباب تتعلق بالقدرات المالية وعدم توفر الخطط والبرامج الكافية للتأهيل والتنشئة والتربية، إضافة إلى أسباب داخلية تتعلق بالموروث العقائدي والاجتماعي وطبيعة القيم والعادات والتقاليد، وتركيبة المجتمع والعائلة ومستوى الانفتاح الاجتماعي، وطبيعة النظم السياسية القائمة، حيث تظافرت كل تلك العوامل لتحد من دور الشباب في البلدان الفقيرة وتفاقم الأزمات المستشرية في أوساط الشباب: كالبطالة، وسوء العناية الصحية، وتدني المستوى المعيشي، ونقص المؤسسات الراعية، ومراكز الترويح والترفيه، وهذا لا يعني البتة أن الشباب في الدول المتقدمة والغنية لا يعانون من مشاكل وأزمات رغم الوفرة في الإحصائيات والخدمات، ولكنها من نوع مختلف عما يعانيه الشباب في الدول الفقيرة".
وأوضح أنه خلال العقدين الأخيرين، وبسبب التطورات العلمية والتقنية الهائلة، وثورة الاتصالات والإنترنت والفضائيات، ودخول العالم في مرحلة العولمة، كمنظومة ثقافية سياسية اقتصادية اجتماعية تعكس تحالف القوى الرأسمالية العالمية العملاقة؛ تفاقمت أزمات الشباب أكثر فأكثر في البلدان الفقيرة،؛ حيث بات الشباب يعاني من أزمة مزدوجة متولدة عن الأزمات المتوارثة، والمركبة القائمة أصلا وأخرى ناتجة عن التأثيرات القادمة عبر الإنترنت والفضائيات، والتي تعكس ثقافة ومفاهيم مجتمعات أخرى غريبة، وتتحدث عن رفاهية خيالية نسبة لشباب البلدان الفقيرة؛ ما يهدد الشباب في هذه البلدان بأزمات جديدة جراء هذا المد العولمي.
وأكد أن تفعيل دور الشباب في النشاط السياسي بمختلف جوانبه سواء النشاط الوطني العام أو النشاط من خلال منظمات وأحزاب سياسية، كان ولايزال الهاجس لكل القوى السياسية التي تمتلك مشروعا سياسيا اجتماعيا تغييريا، باعتبار الشباب قوة تغيير معتبرة وموازنه في المجتمع.. واللافت للنظر ابتعاد الشباب واستنكافهم عن النشاط السياسي من خلال الأحزاب، وهذا - بدون شك - له أسبابه المرتبطة بطبيعة هذه الأحزاب وبرامجها الموجهة للشباب والتي إما أنها لا تعطي الاهتمام المطلوب للشباب، أو أن خطابها السياسي لا يشكل عامل جذب لهم، بسبب تقادمها وعدم مواكبتها لمتطلبات الشباب العصرية واحتياجاتها الراهنة؛ الأمر الذي يتطلب إعادة النظر فيها لجهة دراسة كيفية تفعيل طاقات الشباب وإعادة جذبها إلى الأحزاب والعمل العام.
وذكر أن هناك مجموعة من الاشتراطات والأسس التي إن توافرت ارتفعت ممكنات مشاركة الشباب وهي : وجود أحزاب ديمقراطية التكوين تشكل جاذبا للشباب للدخول الطوعي الحر فيها، وتفتح أمامهم الأفاق للإبداع وإطلاق الطاقات والتقدم في الحياة الحزبية دون عقبات، وتعطي المجال من خلال الديمقراطية الداخلية الواسعة لا المقننة، أو الممركزة بغطاء ديمقراطي كامل الحق في المناقشة وإبداء الرأي والمشاركة في صناعة القرار إلى جانب التقرير في القضايا المحلية أو القطاعية التي تخص (الشباب، المرأة، العمال)، بشكل ديمقراطي دون التعارض مع السياسة العامة، وبما يراعي الاحتياجات والمتطلبات الحياتية والمعيشية والديمقراطية الاجتماعية لهذه القطاعات. تطوير النظام التعليمي في المجتمع، وبناؤه بمنحى ديمقراطي يعطي قيمة كبرى للعقل وينمي من قدرات الشباب في التفكير وصقل المواهب، ويعمل على تشجيع قيم المشاركة في المجتمع لدى الشباب.
وتتمثل أيضا في صحافة حرة ومستقلة، هدفها البحث عن الحقيقة والشفافية، وإعلام حر يتسع لنقاش حر ومفتوح حول مجمل القضايا التي تهم المجتمع بقطاعاته المختلفة، ويتسع لتنظيم حوار مجتمعي حول الأحزاب ودورها السياسي، وحول السياسات الحكومية والتشريعات التي تحمي الشباب وتضمن حقوقهم ومشاركتهم الفاعلة في مختلف الميادين. دعم روح الحماسة لدى الشباب، من خلال إثارة روح الغيرة والمسؤولية وتنويع الأنشطة الثقافية والفنية والفلكلورية والرياضية، وكل ما يثير الحمية والمنافسة الشريفة في نفوس الشباب، ويكسر الروتين والرتابة والملل والضجر الذي يقود إلى البلادة واللامبالاة. تنفيذ مشاريع محددة قوامها الطاقات الشابة، من خلال التنمية والإعمار، سواء تنمية الريف أو استغلال المناطق الصحراوية والجبلية، وهذه المشاريع يمكن أن تحدد في فترات العطل الصيفية، ويتم فيها توظيف طلاب المدارس والجامعات في أعمال منتجة مقابل أجور أو مكافآت تحفيزية.
كما تتمثل في تفعيل دور المنظمات غير الحكومية، من خلال صياغة أولوياتها وبرامجها انسجاماً مع الأجندة الوطنية العامة، بما يكامل في العمل بينها وبين المؤسسات الرسمية، ويجعل من هذه المنظمات منظمات مهنية وجماهيرية لكي تحظى بمصداقيتها أمام الجمهور. وجود نقابات ديمقراطية تمثل العمال وتعكس مصالحهم وتوجهاتهم ومطالبهم، ويتم تداول المسئوليات فيها بشكل ديمقراطي على أساس الانتخابات الحرة الديمقراطية.
العالم يحتفل بعد غد باليوم الدولي للديمقراطية
