25 - 04 - 2024

اقتصاد حزب الله ينتهج المحرمات بفتاوى الملالي المقدسة

اقتصاد حزب الله ينتهج المحرمات بفتاوى الملالي المقدسة

لخص نائب البرلمان اللبناني "نديم الجميَّل" واقع ممارسات حزب الله الاقتصادية بالقول "حزب الله ليس مهتما إذا انهار الاقتصاد اللبناني أو ظل متماسكا، لأن اقتصاده على ما يرام، ولأن اقتصاده مستقل عن الدولة اللبنانية".

 وأوضح تقرير مطول حول اقتصاد حزب الله نشرته صحيفة "العرب" أن نشأة حزب الله ثمانينات القرن الماضي قامت على أساس اقتصاد خاص به، وغير مرتبط بالمرة بالدولة اللبنانية او مؤسساتها،فلقد كان اقتصاد الحزب في البداية قائما بشكل أساسي وحصري على الدعم الإيراني، ويقدر الدعم الإيراني للحزب آنذاك بـ100 مليون دولار سنويا، ثم تطور الدعم ليصل الى 200مليون دولار، ثم وصل الى الـ600مليون دولار مع مشاركة حزب الله في الانتخابات البرلمانية في العام 1992

ساهم الدعم الإيراني في تغطية حاجيات الحزب المادية والعسكرية، ونفقات شبكة مساعداته الاجتماعية التي يقدمها لعوائل شهدائه، ورواتب المتفرغين الذين يخدمون في صفوفه، لذا عمد الى إنشاء مؤسسات خدمية علنية تعنى بتسيير شؤون مقاتليه ومحاربيه، ولكنها استخدمت في المقابل لتأسيس نوع آخر من النشاط الاقتصادي الخفي الذي يدار بسرية تامة.

حصر الحزب تعاملاته الاقتصادية على السيولة النقدية، فلا توجد تحويلات مصرفية، ولا إيداعات، ولا شيكات، حيث لا تمر أمواله عبر المصارف اللبنانية، وهو الأمر الذي جعل عملية مراقبة وتحديد حجم نشاطه الاقتصادي وطبيعته صعبة للغاية، حتى أنه يستحيل الحصول على معلومات حول حجم النشاط الاقتصادي إلا عبر الاختراق وتسريبات من داخل الحزب، وهو الأمر الذي بدا مستحيلا في ظل إحكام القبضة الأمنية للحزب على عناصره، وضيق شبكة أصحاب المعلومات في داخله، وعدم ارتباط بعضهم ببعض.

أما الإشكالية الأخرى حول اقتصاد الحزب تكمن في أن اقتصاد الحزب  الحزب يتغطى تحت ستار "الجهاد" المقدس، وبالتالي فهو جزءا من عملية ممارسة دينية محاطة بأسمى آيات التبجيل والقداسة، وهو محمي بالفتاوى الشرعية التي تبيح لممارسيه ما لا يمكن لأي قانون أو دستور في أي دولة في العالم أن يسمح به، لذا فهذا النوع من النشاط الإقتصادي "المقدس" صاحب منطق خاص يضعه على الدوام في مواجهة مع اقتصاد الدولة .

وقال التقرير أن مصطلح "الدولة داخل الدولة" الذي يطلق على حزب الله يعني بشكل خاص الممارسة الاقتصادية التي تخترق كل مرافق الدولة من المطار والمرفأ إلى مؤسساتها وتنخرها من الداخل، وليس النشاط العسكري والأمني فقط، فممارسات حزب الله تعمل على إفراغ الدولة من حيويتها لتصبها في استراتيجية مماثلة لطبيعة الاقتصاد الإيراني الذي يسيطر فيه المرشد الأعلى على امبراطورية اقتصادية يصل حجمها كما تقول التقديرات إلى 95 مليار دولار، وهي مستقلة تماما عن موازنة الدولة الإيرانية.

فالتمويل الإيراني لحزب الله اعتمد على الطفرة الكبيرة التي شهدتها الأسواق النفطية خاصة حين بلغ سعر النفط مستويات قياسية في السنوات الماضية، ولكن هبوط الأسعار منذ منتصف العام الماضي قلص العوائد الإيرانية، مما أجبر إيران على خفض دعمها للحزب بنسبة بلغت نحو 50%، وفي المقابل  تمكن حزب الله من تصميم شبكة اقتصاد مافياوي تنطلق من لبنان لتشمل خارطة العالم، لم يكشف عنها إلا الفضائح المدوية والكارثية والتي أوضحت أن معالم هذا الاقتصاد "المقدس" مضاد لاقتصاد الناس.

*غسيل أموال

في عام 2004 تحطمت طائرة تابعة لاتحاد النقل الأفريقي عند إقلاعها من مطار كوتونو، واتضح أن على متنها مسؤولا في حزب الله واثنين من مساعديه، وبحوزتهم مبلغ مليوني دولار، وقيل آنذاك إن الأموال عبارة عن تبرعات قدمها الأثرياء اللبنانيين من رجال الأعمال في أفريقيا لصالح الحزب.

وعلق "ماثيو ليفيت" مدير مركز ستاين لمكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، على الحادث من خلال مقال له بعنوان "حزب الله – فرع أفريقيا" قال فيه  "إن ناشطي حزب الله في أفريقيا يقومون باستثمار وغسيل كميات كبيرة من الأموال، ويقومون بتجنيد ناشطين محليين وجمع معلومات استخباراتية"، ولم توثق تلك الاتهامات ضد الحزب بشكل رسمي، لكن "ليون جوزيف ملروز" سفير امريكا الأسبق لدى سيراليون، و"جون لاي" سفيرامريكا السابق بسيراليون أكدا أن الألماس المستخرج من مناجم سيراليون يستخدم في تمويل جماعات إرهابية، بينها حزب الله.

بعد ذلك في أغسطس 2009 أعلنت في لبنان قضية إفلاس رجل الأعمال اللبناني "صلاح عزالدين" الذي كان يدير شبكة استثمارات ضخمة، ينضوي تحتها عدد كبير من العائلات والشخصيات الجنوبية والشيعية المقربة من حزب الله.

كان عزالدين يستثمر أموال المودعين في مشاريع غير معروفة، مقابل تقديم  أرباحا خيالية للمودعين وصلت الى حدود الـ40% سنويا، ووصفت قضيته بأنها أكبر عملية احتيال في تاريخ لبنان، حيث قدر حجم الأموال التي كانت تحت تصرفه بنحو 1.5 مليار دولار، لم يظهر أثر لأي دولار منها في أي مصرف لبناني.

والمفاجأة كانت في ارتباط عزالدين المباشر بحزب الله فهو كان قد أسس دار نشر عملاقة تحمل اسم نجل الأمين العام للحزب هادي نصرالله، وأشار تقرير "سترافورد غلوبال انتليجنس" إلى أن عزالدين قام باستثمار أموال تعود للحرس الثوري في لبنان، واتضح أن عددا من نواب الحزب وقيادييه كانوا يستثمرون أموالهم معه، وأدى إفلاسه إلى كشف حجم ثرواتهم، الأمر الذي أحرج قيادة الحزب أمام جماهيره الفقيرة والتي يُطلب منها الصبر والتحمل، فتنصل الحزب من علاقته بعز الدين دون أن يقتنع أحد بذلك.

ثم تتالت الوقائع التي تكشف عن اعتماد حزب الله على نشاط إجرامي لتمويل نفسه، ففي فبراير 2011، اتهم الإدعاء العام الأميركي 7 مواطنين أميركيين، أحدهم عميل معروف لحزب الله، بالتآمر لمساعدة طالبان، وقام عملاء من إدارة مكافحة المخدرات الأميركية بتسجيل اجتماعات في بنين وغانا ورومانيا وأوكرانيا بين المدعى عليهم ومصادر سرية في إدارة مكافحة المخدرات، يعملون كممثلين لطالبان، وكشفت التسجيلات عن موافقةبعض الأفراد على استلام أطنان من هيروين طالبان وتخزينه ونقله، بينما عرض آخرون بيع كميات كبيرة من الكوكايين لحركة طالبان أو عملائها لإعادة بيعها، سواء بأنفسهم أو من خلال تجار المخدرات في الـولايات المتحدة الأميركية لتحقيق أربـاح.

وكان من بين الأفراد المتهمين "ألوار بوريان" وهو مواطن إيراني وصفه أحد زملائه بأنه "مهرب أسلحة يعمل لحساب حزب الله"، وأنه خطط لبيع أسلحة لممثلي طالبان، وأعطى عملاء إدارة مكافحة المخدرات تفاصيل بشأن الصفقة المقترحة.

وكسر نشاط حزب الله الاقتصادي كل الحدود الأخلاقية حيث تبين أن أقرباء كبار المسؤولين فيه يديرون شبكة ضخمة لصناعة وتوزيع المخدرات وفرض الأتاوات على الناس.

ويقول ليفيت أن الخزانة الأميركية كانت قد وضعت في يناير 2011 زعيم تجارة المخدرات اللبناني "أيمن جمعة" و 9 آخرين و19 شركة ضالعة معهم في تجارة المخدرات وغسيل الأموال على قائمتها السوداء، وكشف تحقيق مكثف أجرته إدارة مكافحة المخدرات، أن جمعة كان يقوم بغسل ما يصل إلى 200 مليون دولار شهريا، من مبيعات الكوكايين في أوروبا والشرق الأوسط لحساب شركات قائمة في كولومبيا ولبنان وبنما وغرب أفريقيا من خلال شركات الصرافة وتهريب الأموال النقدية السائبة إلى جانب نشاطات أخرى.

وذكر الادعاء العام الأميركي أن غالبية أرباح تلك المخدرات تم تحويلها إلى حزب الله، وبعدها بأسبوعين، صنفت وزارة الخزانة الأميركية البنك اللبناني الكندي على أنه "مؤسسة مالية ينصب تركيزها الأساسي على غسيل الأموال" بسبب تواطئها مع جمعة لغسل أرباحه غير المشروعة وتوجيهها إلى حزب الله.

وتمت تسوية قضية البنك اللبناني الكندي عبر دفع مبلغ 102 مليون دولار اقتطعتها الولايات المتحدة مباشرة من أموال البنك المحجوزة لديها والبالغة قيمتها حوالي 150 مليون دولار، وأضرت هذه العملية بسمعة القطاع المصرفي اللبناني الذي حاول حماية نفسه عبر الضغط من أجل إصدار مجموعة من القوانين المنسجمة مع القوانين الدولية، والتي من شأنها إعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، ولكن حزب الله كان يعمد عبر سيطرته على الحكومة إلى تعطيلها.

وكان من أبرز الأسماء التي تم الكشف عنها، شقيق النائب "حسين الموسوي" الذي يعمل في تصنيع وتصدير حبوب الكبتاغون المخدرة، ونجل مسؤول القضاء في حزب الله الشيخ "حسين كوراني" الذي يدير شبكة لتجارة المخدرات انطلاقا من الضاحية الجنوبية.

كما ضمت شقيق النائب "علي عمار" الذي يعمد إلى فرض أتاوات على الناس بالقوة، وشقيق "مصطفى بدر الدين" المتهم في قضية اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" الذي يسيطر على سوق اللوحات الإعلانية في الضاحية، ويتحكم بالأسعار كما يشاء.

وتبين أيضا أن أبناء رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله "محمد يزبك" يعملون في تجارة المخدرات وبيع السلاح لأي كان، حتى للجيش الحر السوري، الذي يحاربه حزب الله.

ويشرح القيادي في تيار المستقبل "مصطفى علوش" هذا الأمر قائلا "أن السبب في سهولة ممارسة هذا السلوك يعود إلى أن المقدمين عليه لديهم تبريرات أخلاقية ثورية لهذا الفساد مبنية على نصوص للولي الفقيه، وأن الأمور زادت تعقيدا الآن بسبب الوضع المالي الإيراني الصعب الناجم عن العقوبات الغربية، إضافة إلى العبء المالي الهائل المترتب على دعمها للنظام السوري"، موضحا أن "حزب الله تأثر ماليا بسبب غياب الدعم المالي الذي كان يتلقاه من الحكومات العراقية، خاصة في زمن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والتي توقفت بعد رحيله بسبب أزمة العراق الاقتصادية وحربه ضد تنظيم داعش".

وأوضح علوش أن هذه الأسباب مجتمعة دفعت بحزب الله إلى التركيز على  استخدام ورقة الإجرام المالي من أجل تمويل حربه في سوريا وأنشطته في لبنان، وفي مقابل غياب القدرة على منافسة حزب الله في أنشطته المالية الإجرامية، فإن أمام التجار والمستثمرين وأصحاب المؤسسات والوكالات التجارية خياران إما اللجوء إلى ممارسة سلوك اقتصاد مافياوي مماثل، أو الانضواء المباشر تحت لواء اقتصاد حزب الله، واعتماد أي من الخيارين يعني تدمير الاقتصاد اللبناني، وهو ما يحذر منه الخبراء الاقتصاديين داخل لبنان وخارجه .

 






اعلان