أمناء الشرطة.. ثقوب فى الثوب الأسود..
جمال عيد: وزير الداخلية المسئول الأول عن التعذيب.. واقالته ومحاكمته مطلب جماهيرى
قطرى: القيادات تعاملت معهم بـ"الطبطبة".. وعودة المحاكم العسكرية لعلاج الأزمة
فى عام 1967 أسس وزير الداخلية، اللواء شعراوى جمعة، معهد أمناء الشرطة لتخرج رجال شرطة على قدر عال من التعليم والمسئولية، ولم يعهد أنهم سيمارسون كل أشكال البلطجة على المواطنين بدلًا من تحقيق الأمن والأمان وتطبيق القانون وصاروا هم من يخرقون القانون.
أصبح أمناء الشرطة العمود الفقرى فى وزارة الداخلية، خلال السنوات السابقة، ويتحملون أعباء كثيرة فى العمل، ويمثلون أكثر الفئات فى الوزارة بين الضباط والمجندين، خلال خطة عمل معهد الأمناء تضمن ترقيات للخريجين من أجل زيادة الكفاءة ومثل لهم الضباط "عقدة"، حيث إن الأمين يقضى أكثر من 15 عامًا فى الخدمة، ويترأسه ضابط تخرج منذ عام، وعمره لا يتجاوز 24 عامًا، رغم تراكم الخبرات لديه.
أمناء الشرطة فى عهد حبيب العادلى
شهد عهد اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، أسوأ عصور تغول أمناء الشرطة على المجتمع، حيث عاثوا فى الأرض فسادًا وراء قانون الطوارئ، الذى خول لهم القبض على أى شخص يتم الاشتباه فيه، وفرض بلطجتهم وسطوتهم فى الشارع، وفى الأقسام الشرطية حتى صار دفع المواطنين الرشاوى لقضاء مصالحهم فى الأقسام الشرطية شيئا طبيعيا ومتقبلا من المجتمع.
وأصبح الدخول لمعهد أمناء الشرطة، أمنية لغالبية المواطنين حتى يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم، بالإضافة إلى استغلالهم كأداة لقمع وترويع المواطنين، وجسدت السينما المصرية فى فيلم "هى فوضى"، ليوسف شاهين والمخرج خالد يوسف، الوضع الذى صار عليه أمناء الشرطة، حينما قال البطل خالد صالح "اللى مالهوش خير فى حاتم.. مالهوش خير فى مصر"، وقام أفراد وأمناء الشرطة بفرض سطوتهم على الأهالى، لتأكدهم من الإفلات من العقاب، ومع استمرارهم فى ارتكاب الجرائم التى تعددت بين الاعتداء على المواطنين، والاتجار فى المخدرات والأسلحة، والتعذيب، ثار الشعب عليهم فى 25 يناير.
وقال أحد أمناء الشرطة، -رفض ذكر اسمه- إن أمناء الشرطة فى عهد حبيب العادلى تحولوا إلى عبيد لدى ضباط المباحث، بسبب التقارير السرية التى كان يكتبها الضباط فى كل من يخالفهم، ويزج بهم فى السجون بتهمة عدم الانضباط العسكرى فى حالة عدم إطاعة الأوامر، وفقًا لقانون المحاكمات العسكرية، وأنه تم استخدامهم فى العمل السياسى والاعتداء على المواطنين رغمًا عنهم.
بعد الثورة.. احتجاجات وبلطجة
وعقب الثورة ومع السقوط التام لوزارة الداخلية قام أمناء الشرطة بالعديد من الاحتجاجات استغلالًا للظروف، وللمطالبة بتحسين وضعهم ومحاولة مساواتهم بالضباط ماليًا، واجتماعيًا، وتمكنوا من إلغاء قانون المحاكمات العسكرية، ووصلت الاحتجاجات إلى إغلاق الأقسام الشرطية ومديريات الأمن ومنع الوزير ومساعديه من الدخول إلى مكاتبهم، ومع الضغط ارتفعت مرتباتهم والحوافز من 200% إلى 300%، ورغم ذلك قدم أمناء الشرطة المئات من الشهداء خلال الفترة الأخيرة.
وخلال الفترة القصيرة الماضية، تعددت تجاوزات أمناء الشرطة من المشاجرات مع أفراد القوات المسلحة المكلفة بتأمين الأقسام الشرطية، كما حدث فى قسم إمبابة، وعلى إثرها انسحب الجيش من تأمين بعض الأقسام، إلى عمليات التعذيب وتلفيق القضايا للمواطنين، فى قسم شرطة المطرية، أو الاتجار فى المخدرات والأسلحة وفرض البلطجة على الأهالى بسبب الخلافات –كما وقع فى منطقة العمرانية بالجيزة، وتهريب المسجونين على ذمة قضايا أثناء ترحيلهم إلى المحكمة، ثم ما حدث مؤخرًا بالتمثيل بجثة أحد المواطنين داخل مشرحة مستشفى الخانكة، واغتصاب إحدى الفتيات المعاقة ذهنيًا داخل حجم قسم شرطة إمبابة، ولم تتوقف التجاوزات عند هذا الحد بل مازالت مستمرة فى استخدامهم السلاح الميرى لترويع المواطنين بدلًا من حمايتهم من البلطجية.
الداخلية: وقائع فردية ولن نسمح بتشوية صورة الشرطة
من جهتها تؤكد وزارة الداخلية فى بيانات مقتضبة، أن التجاوزات فردية وليست ممنهجة، وأن الوزارة لم تتستر على مخالفات لأفراد أو أمناء الشرطة، وأنها لن تسمح لفئة قليلة بتشوية صورة الشرطة التى عادت عقب 30 يونيو، مشيرةً إلى أن إدارة التفتيش والرقابة فى الوزارة تحقق فى آلاف الشكاوى المقدمة لها ضد أمناء الشرطة، وإذا ثبت تورط العناصر فيها يتم تطبيق القانون دون استثناءات.
فيما يرى خبراء أمنيون وحقوقيون أن أمناء الشرطة لديهم الكثير من الأخطاء والتجاوزات الفردية والممنهجة بغير قصد، بسبب غياب الرادع القانونى، ولتأكدهم الإفلات من العقاب أو لضعف الجزاء الموقع عليهم، وعدم قدرة الأهالى على اتخاذ الإجراءات القانونية منهم بسبب احتمائهم فى زملائهم.
يجب بتر الفاسدين
وقال الدكتور رفعت عبد الحميد، الخبير الأمنى، إن تصرفات أمناء الشرطة رغم أنها فردية إلا أنها جسيمة، وتعد من الأخطاء القاتلة والمرفوضة، لافتًا إلى أنها أخطاء متكررة وغير جديدة على جهاز الشرطة كغيره من الأجهزة والإدارات فى الدولة التى تخطئ، لكن أخطاء رجال الشرطة، تختلف عن أخطاء رجل الشارع العادى لأنهم يعون جيدًا القانون وعلى دراية تامة بالعقاب، وهم المسئولون عن حفظ الأمن فكيف يتم انتهاكه.
وأوضح عبد الحميد، فى تصريحات لـ"المشهد" إن وزارة الداخلية تتصدى وبقوة للمخطئين من أبناء الجهاز الشرطى، من خلال قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية، والمحاكمات التأديبية، بخلاف مبادرة الوزارة بإحالة التحقيقات إلى النيابة العامة، لأنها لا تخشى ما حدث وتنكره، وإنما طلبت تطبيق القانون.
وأضاف إن وزارة الداخلية لا تعلم الضباط وأفراد الشرطة التربية والأخلاق، وإنما تعلمهم العمل الشرطى فقط، ويرجع سوء التربية إلى المنزل، واصفًا الأخطاء التى شهدتها الشرطة فى الفترة الأخيرة من بعض أفرادها بالغبية والتصرفات القذرة، وطالب ببتر الأعضاء المعوجة حتى لا تعدى باقى أفراد الجهاز، مؤكدًا أن مجلس التأديب سيوقع أحكاما رادعة خلال الفترة المقبلة.
فيما قال محمود قطرى، الخبير الأمنى، "إن أفراد وأمناء الشرطة يتصفون بالانحلال الأخلاقى وعدم الانضباط فى أداء العمل، وعادوا إلى ما كانوا عليه فى عهد حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق المتهم حاليا بقتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير، من حيث الميل إلى الانحلال والجنوح إلى التصرفات التجاوزية كلما سنحت لهم الفرصة، بسبب غياب الرادع المتمثل فى المحاكمات العسكرية للأفراد التى كانت تصل أحكامها إلى الحبس فى سجون خاصة لدى قوات الأمن المركزى.
وأوضح قطرى فى تصريحات لـ"المشهد"، إن قرار اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية الأسبق، بإلغاء المحاكمات العسكرية لأفراد الشرطة، أسقط جهاز الشرطة، وجعل الأفراد يتجرأون على قياداتهم، ورؤسائهم ولا يطيعون الأوامر الموكولة لهم بسبب غياب الرادع الحقيقى، حتى وصل الأمر بهم إلى القيام بتظاهرات وإغلاق مديريات الأمن والأقسام الشرطية ومنع القيادات الأمن من الدخول إلى مكاتبها.
وتابع قطرى، تعاملت قيادات وزارة الداخلية معهم بمبدأ "الطبطبة"، ومحاولة استرضائهم بأى وسيلة، حتى أصبحوا يتمادون فى الأخطاء دون رادع، وأخذوا حقوق ليست من حقهم، بسبب تساهل القيادات فى التعامل معهم، مشيرًا إلى أنه عقب سقوط الشرطة فى 25 يناير لم يقم أحد بمحاولة إصلاحهم.
وقال "إن أخطاء أمناء وأفراد الشرطة أصبحت تصرفات منطقية وطبيعة مترتبة على المعطيات الموجودة فى الجهاز منذ عهد حبيب العادلى، وأنها ليست أخطاء فردية كما يصفها البعض، وإنما تصرفات ممنهجة وغير مقصودة، مشيرًا إلى أنهم تعرضوا إلى ظلم فى عهد حبيب العادلى، بسبب عدم وجود نواد ومستشفيات خاصة بهم كأفراد القوات المسلحة.
وحذر قطرى، من استمرار تجاوزات أمناء الشرطة، لأنها ستؤدى فى النهاية إلى ثورة على الجهاز الشرطة بالكامل كما حدث فى ثورة 25 يناير، الذى كان يعد عيدًا للشرطة، مشيرًا إلى أن العلاج يتمثل فى إعادة بناء جهاز الشرطة وهيكلة وزارة الداخلية، وإعادة المحاكمات العسكرية للأفراد حتى يجدوا ما يردعهم، ومراقبة تصرفاتهم، وتغليظ عقاب المخالف حتى يصل إلى الفصل من الخدمة نهائيًا.
وقال الحقوقى جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فى تصريحات لـ"المشهد": إن انتهاج أمناء الشرطة للممارسات التجاوزية المستمرة لثقتكهم الكاملة فى إفلاتهم من العقاب، خاصة عقب تبرئة عدد كبير من الضباط فى وقائع قتل مشابهة خلال الفترة الماضية، وهو ما خلق نوعًا من الطمأنينة لديهم بأنهم فوق القانون.
وطالب عيد، بإقالة وزير الداخلية ومحاكمته كمسئول عن وقائع التعذيب بصفته رئيسا للجهاز الشرطى، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، وتغيير سياستها الأمنية.
وأكد كريم صلاح، 25 عامًا، موظف، أن أمناء الشرطة يستغلون وجودهم داخل جهاز الشرطة والحصانة المتاحة لهم كشرطيين فى الاعتداء على المواطنين، وفرض بلطجتهم فى المناطق التى يسكنون فيها أو فى الشارع بصفة عامة، مشيرًا إلى أنه فى حالة تعدى أمين شرطة على أحد الأهالى فإنهم يذهبون لتحرير محضر ولكن زملائه فى القسم يرفضون، ويجبروه على التصالح، أو يهددوا بالزج به فى الحجز حال رفضه التصالح.
وأشار إلى أنه فى حالة قضائه إحدى المصالح داخل القسم، كزيارة أحد المحتجزين يضطر لدفع رشاوى لأمناء الشرطة من أجل إدخال الطعام، أو السماح له بالزيارة.