05 - 05 - 2025

"أسعار السجائر".. خطة اقتصادية وعورة رقابية ومواطن ضحية

تقليل الدعم، ارتفاع أسعار السلع الأساسية، زيادة تعريفة المواصلات، جميعها خطوات عمدت حكومة المهندس إبراهيم محلب، إلى إتباعها منذ حلف اليمين أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، بحجة "الإصلاحات الاقتصادية"، لزيادة إيرادات الدولة، وتقليل عجز الموازنة، والذي بلغ 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية المنتهية في يونيو 2014.. المواطن قد يتحمل كل شيء ولكن عندما تمس احتياجه الأساسي أو قل "مزاجه"، بالطبع لن يهدأ ولن يرضى بمثل هذه الإصلاحات، عاجلاً أم آجلاً سيخرج المواطن من عباءة "الطاعة"، ليتمرد في ثوب "العصيان"، كثرة الضغوط عادةً تأتي برد فعل "غير متوقع".

رغم أنها المرة الثانية خلال عام واحد (العام المالي 2013/2014)، التي يتم خلالها زيادة نسبة الضريبة العامة على السجائر، إلا أنها المرة الرابعة التي تشهد فيها السجائر تعديل في أسعارها منذ ثورة "25 يناير"، حيث سبق القرارين الأخيرين، قرار الرئيس الأسبق محمد مرسي والذي نشرته الجريدة الرسمية رقم 102 لسنة 2012، والخاص بتعديل القانون رقم 11 لسنة 91، بشأن تعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات، ومن قبله فرضت حكومة الدكتور عصام شرف، ضرائب جديدة على السجائر، تقدر بنحو 10%، وطبقت في 23 يونيو 2011.

بينما كانت المرة الثالثة في 2 يوليو 2014، عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرارًا جمهوريًا بإلغاء القرار بالقانون رقم (102 لسنة 2012) المعدل لبعض أحكام قانون الضريبة العامة علي المبيعات، والذي أصدره مرسي، وتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات رقم 11 لسنة 1991، وتضمنت التعديلات ارتفاع أسعار السجائر بقيمة تتراوح ما بين 175 قرشًا إلى 275 قرشـًا، ونص القرار المنشور بالجريدة الرسمية، على مضاعفة الضريبة علي الكحوليات بنسبة 200% وزيادتها على السجائرة بنسبة 50% بدلاً من 40%.

"من 225 إلى 425 قرشـًا زيادة"

وجاءت الأخيرة، قبل ساعات، حيث أصدر الرئيس، قرارًا جمهوريـًا، السبت 21 فبراير 2015، بزيادة الضريبة على السجائر المحلية والمستوردة، ووفقا للقرار الجمهوري رقم 120 لسنة 2015، الذي نشرته الجريدة الرسمية، فإنه لم يتم تغيير نسبة الضريبة المقررة وقدرها 50% من سعر البيع للمستهلك، فيما تمت زيادة المبالغ الإضافية التي يتم فرضها إلى جانب هذه النسبة.

ووفقـًا للقرار الجديد، فإن الضريبة المقررة على السجائر المحلية والمستوردة 50% على سعر بيع عبوات السجائر، يضاف إليها 225 قرشا للعبوة التي تحتوى على 20 سيجارة، والتي لا يزيد سعرها للمستهلك النهائي عن 10 جنيهات، وذلك بدلا من 175 قرشا لكل عبوة لا يزيد سعرها عن 9 جنيهات في القرار الجمهوري السابق والصادر في 2 يوليو 2014.

كما يضاف 325 قرشا لكل عبوة يتراوح سعرها بين 10 جنيهات حتى 16 جنيها، بدلا من 225 قرشا للعبوات التي يتراوح سعرها بين 9 جنيهات و15 جنيها، وكذلك 425 قرشا لكل عبوة يزيد سعرها عن 16 جنيها، بدلا من 275 قرشا للعبوات التي يزيد سعرها عن 15 جنيها.

"صندوق النقد"

اتجاه "السيسي" ومن قبله "مرسي" إلى تعديل أسعار الضريبة على السجائر، جاء في عهد الأول تحت مسمى "الإصلاحات الاقتصادية"، وتحت مسمى "شروط صندوق النقد" في عهد الأخير.. الحقيقة أن الهدف ربما يكون واحدًا من هذا الإجراء، وهو تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي للموافقة على منح مصر قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، الهدف جاء معلنـًا في عهد مرسي لخروج مصر من عثراتها الاقتصادية، وجاء خفيـًا في عهد السيسي دون إبداء الرغبة في القرض.. ولكن هل ستعلن مصر رغبتها في الحصول على القرض؟، اتفقنا أم اختلفنا، الإجابة تبدو واضحة، بالطبع لمن يريد ذلك، وإلا فلما قامت مصر بتنفيذ شروط الصندوق إذا كانت لا ترغب في قرضه، بدءً من تخفيض الدعم، مرورًا بخفض سعر العملة المحلية أمام نظيرتها الأمريكية، ووصولاً إلى رفع أسعار الضريبة على السجائر.

"الحشيش هيبقى أرخص"

ما بين ساخرًا من القرار "الحشيش هيبقى أرخص من علبة السجاير"، ومستنكرًا "احنا هنبطل غصب عننا"، وآخر عنيد "بردوا مش هبطل تدخين حتى لو بقت العلبة بـ100 جنيه"، جاءت ردود أفعال المواطنين، على قرار الزيادة الجديد.

كذلك الخبراء انتقدوا القرار، فبحسب الدكتور نادر نور الدين الخبير المائي والسياسي، قال: "زيادة السجاير 50% مرة واحدة كثير قوي .. يعني علبة الكيلوباترا من 8 إلى 12 جنيه كثير قوي... لكن المهم أن أنا خايف لتكون تمهيد لزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات زي ماحصل من ستة أشهر؟! وحياتك ياريس نتروى شوية لما الأحوال تتحسن لحسن بعض المستشارين نصفهم غربان!"، بينما أكد إبراهيم الإمبابى رئيس شعبة الدخان والمعسل بغرفة الصناعات الغذائية التابعة لاتحاد الصناعات، أن "القرار جاء مفاجأة ولم يتم الرجوع إليهم فيه".

"اللي عنده علبة هيخبيها"

"اللي عنده علبة هيخبيها".. هذا هو حال سوق السجائر المرحلة المقبلة، بلاشك ستنشط "السوداء" بعد هذا القرار، فما أن أعلنت الحكومة زيادة الأسعار، إلا واختفت عبوات السجائر من الأسواق، فكل من لديه كمية من "السجائر" أخفاها حتى يبيعها بالسعر الأعلى، بطبيعة الحال مع كل قرار حكومي بتقليل الدعم أو رفع الأسعار أو فرض ضرائب، تنشط طبقة "المنتفعين"، لتحقيق أقصى استفادة شخصية دون النظر إلى سلبيات خطواتهم على الدولة ككل.

الأسعار لن تتوقف عند الحد المعلن رسميـًا، ربما ترتفع لما هو أكثر من ذلك، حيث تباع أعلى من أسعار بيع المستهلك المحددة من الجهات الرسمية، لحين ضبط الأسواق ووضوح الرؤية، خاصةً وأن جزء كبير من تجارة السجائر يتركز في أكشاك البقالة والمحلات الصغيرة الغير مقيدة في السوق الرسمية والتي لا تخضع للتعاملات الضريبية.

"المواطن"

السؤال الأكثر أهمية.. كيف سيتعامل ما يقرب من 30% من سكان مصر - أعلى دول العالم استهلاكـًا للسجائر - مع القرار؟، ولنفرض أنهم تعاملوا مع القرار كغيره من القرارات السابقة، فكيف سيكون شعور المواطن في بلده - وبخاصة "الفقير" - بتقليل الدعم تارة ورفع الضرائب تارة أخرى؟، ألم تنظر الجهات المعنية بعين "الرحمة" إلى الفئات الأكثر فقرًا قبل أن تمضي قدمـًا في تنفيذ خططها!، الأمر لا يتوقف عند أسعار "التبغ" التي قد يسهل أو يعصب الاستغناء عنها وقتما شاء بل يتعداه ليصل إلى ضغط الإجراءات بالتزامن مع تآكل قيمة "الجنيه" إضافة إلى ثبات المرتبات وسط التلويح باستكمال إجراءات الحكومة في رفع الدعم تدريجيـًا، الأزمة الحقيقية تتمثل في قدرة المواطن على مواجهة تقليل الدعم ورفع الضرائب معـًا!.. وفي النهاية يدفع "الغلبان" وحده دائمـًا وأبدًا ثمن فشل الحكومة وثمن قراراتها أو قل ثمن إصلاحاتها!.