لأن أغلب المعارك المصرية عبر التاريخ قد دارت في صحراء سيناء، ومن المتوقع أن تكون هناك معارك أخري علي هذا المسرح الخاص، فقد يكون من المفيد محاولة الإقتراب من فقه الحروب الصحراوية بشكل عام، علي أن يتبع ذلك إذا سمحت الظروف الصحية، بدراسة تفصيلية تتناول التجارب السابقة، وخاصة مواطن الضعف والإخفاق ، من أجل محاولة رسم بعض الخطوط العامة لأفضل دفاع عن شبه جزيرة سيناء.
الحروب الصحراوية لها محددات كثيرة، ومنها أن مسارحها واسعة ومفتوحة، وحركة القوات تكون مكشوفة، وتتعرض الأسلحة والمعدات للتلف بسبب حبات الرمال، ولذلك تمثل عملية الصيانة اليومية أهمية قصوى.
ولا يمثل الإستيلاء علي الأرض في الصحراء أهمية كبري، لأن الأرض تفقد أهميتها التكتيكية، لذا يجب التركيز علي تدمير قوات العدو، والمهارة في التحرك السريع والاختراق وتنفيذ عمليات الالتفاف والتطويق بخفة وسرعة، مع حشد أكبر كمية من النيران علي الاتجاه الرئيسي للهجوم، والتوسع في استخدام الإسقاط المظلي والإبرار الجوي أو البحري أو كلاهما خلف خطوط قتال العدو أو باقتحام رأسي يهدف لإرباك مراكز قيادة وسيطرة العدو ..
التوقف لا يكون إلا لضرورات تكتيكية حاكمة، وإلا فأنه ينبغي مواصلة الضغط والهجوم ومطاردة فلول العدو وتدميرها أو أسرها..
المعارك الصحراوية قد تكون جنة الإستراتيجية ولكنها جحيم التكتيك، ومن المهم أن يتدرب القادة علي كل المستويات علي التواجد الفعلي في مقدمة الهجوم، علما بأن اتخاذ أوضاع دفاعية في الأراضي المفتوحة شديد التعقيد، لذا يجب علي هؤلاء القادة أن يتشبعوا بالرغبة المستمرة في الهجوم ..
أتذكر أيضًا أن أكثرية زملائي من ضباط الصاعقة في العشرينيات من عمرهم كانوا يتدربون على رسم خرائط الجبهة على الرمال وطرق العبور المتاحة لنا، لدرجة أنه عندما عبرنا القناة كان هناك إحساس بأننا نمر عبر أرض مألوفة لنا، وذلك من كثرة ما تدربنا عليه على الخرائط وحلمنا به، ومن كثرة ما كنا نرى العلم الإسرائيلي على الضفة الثانية فنمتلئ شوقًا ورغبة وحلمًا بيوم العبور، وعندما عبرنا كنت أشعر بأنني أمشي في حضن أمي.
-----------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق







