24 - 12 - 2025

٢٥ ديسمبر و٧ يناير: كيف تحول ميلاد المسيح إلى ساحة صراع بين الزمن والهوية؟

٢٥ ديسمبر و٧ يناير: كيف تحول ميلاد المسيح إلى ساحة صراع بين الزمن والهوية؟

- بين الاعتياد الغربي والتقليد القبطي.. عيد الميلاد يكشف الانقسامات الصامتة في المجتمع المسيحي..
- ماركو الأمين: الخلاف حول عيد الميلاد ليس مسألة لاهوتية.. بل انعكاس لانقسامات ثقافية واجتماعية يفرضها الزمن والتقويم

في مصر كما في العديد من الدول المسيحية، لا يحتفل جميع المسيحيين بميلاد المسيح في نفس اليوم.. الكاثوليك والبروتستانت يعتمدون يوم ٢٥ ديسمبر وفق التقويم الغريغوري، بينما تلتزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالتقويم اليولياني فتحتفل بـ٧ يناير.. هذا الانقسام الزمني لا يقتصر على الاختلاف في التقويم، بل يعكس تباينا اجتماعيا وثقافيا، ويؤثر في طريقة احتفاء المجتمع بالعيد، وفي الرؤية العامة له..

٢٥ ديسمبر أصبح عيدا عالميا يتجاوز الكنائس، تزدان الشوارع فيه بالزينة، وتغطي وسائل الإعلام الاحتفالات، وتنتشر الحملات الترويجية.. هذا الانتشار خلق صورة ذهنية.. من يحتفل بهذا التاريخ يبدو مواكبا للعالم.. بينما من يلتزم بـ٧ يناير يظل على هامش الانتباه العام، وكأن العيد “خاص جدا”، مغلق على المؤمنين فقط...

في المقابل.. ٧ يناير يمثل عيد الميلاد لدى الأقباط في مصر، ويظل الاحتفال به محدودا على الكنائس والمنازل، دون حضور إعلامي يوازي الاحتفالات الغربية.. يشعر بعض المسيحيين بأن عيدهم “غير مرئي” أو أقل أهمية، رغم أنه يمثل نفس المناسبة الدينية والروحية.. 

٦ يناير، الذي يحتفل به بعض الكنائس الشرقية كلـ“ليلة الميلاد” أو عيد الظهور الإلهي، يضاف إلى الالتباس لدى الجمهور العادي، حيث يخلط الناس بين ليلة العيد واليوم التالي، فيتحول الميلاد إلى ما يشبه “عيدين” في ذهن البعض..

أما رأس السنة الميلادية في ١ يناير، فقد أصبح عيدا اجتماعيا بحتا، يشارك فيه الجميع دون أي حساسية دينية.. ما يعكس تناقضا واضحا، المجتمع أكثر تقبلا للأعياد التي لا تحمل أسئلة رمزية ثقيلة، بينما الأعياد ذات الحمولة الدينية العميقة، مثل ميلاد المسيح وفق التقويم القبطي، تخضع لفرز اجتماعي ضمني، وكأن الاختلاف في التاريخ يكشف “موقعك” في المجتمع...

الخلاف الزمني حول ميلاد المسيح، إذن، ليس مجرد اختلاف تقاويم، بل يعكس انقسامات اجتماعية وثقافية، ويحول العيد من مناسبة روحية جامعة إلى مؤشر غير معلن للانتماء، ومقياس ضمني للمواءمة بين التقليد والحداثة.. في النهاية، يظهر عيد الميلاد، الذي يفترض أن يوحد الجميع، كمرآة تعكس الانقسامات المجتمعية، وتكشف كيف يمكن للزمن أن يصبح أداة للقياس والمقارنة، بدلا من أن يكون مناسبة للفرح والتواصل الروحي...

قال ماركو الأمين، الباحث في التراث الكنسي: الأمر بالتأكيد ليس خلافا لاهوتيا، الخلاف على ميعاد ميلاد المسيح موجود منذ القرن الثاني الميلادي وتباينت الآراء بين الآباء حوله لأنه ليس أمرا عقائديا أو ذا قيمة.. لكن بعد أن أصبحت المسيحية دين الإمبراطورية الرسمي وظهرت أعياد هامة للمسيح وتذكاره، أصبحت كل كنيسة تحتفل حسب تقويمها وثقافتها... على سبيل المثال، الكنيسة المصرية عينت يوم 29 كيهك موعدا ثابتا للاحتفاء بذكرى ميلاد المسيح، وعند استخدام التقويم الميلادي أصبح الاحتفال في نفس اليوم الذي يوافق 29 كيهك.. ومع الاختلافات الثقافية، تمسك الأقباط بـ7 يناير، خاصة أنه أصبح عطلة رسمية... بالتأكيد الخلاف الحالي هو خلاف ثقافي وفلكي.

الهيمنة الثقافية لـ٢٥ ديسمبر

وأضاف ماركو الأمين: تنظر الروحانية الشرقية إلى عيد الفصح كعيد الأعياد ودرة الاحتفالات الكنسية، على عكس الثقافة الغربية التي تحتفي بميلاد المسيح وتخصص له موسما كاملا مليئا بالاحتفالات والألوان المبهجة.. ومع وجود الأجانب والاحتلال، جذبت احتفالات الكريسماس وزينته نظر الشرقيين فتمثلوا بها...

شعور الأقباط بالانعزالية

وتابع: اقرأ هذا في سياق الانعزالية المفروضة على الأقباط.. في الداخل هم أقلية دينية حاربت للحفاظ على حقها في الاحتفال بعيدها دون اضطراب أو تكدير وفي الخارج هم أقلية ثقافية لها تراث قديم غير مقدر على المستوى الدولي بالشكل المطلوب...

الخلاف الزمني كمعيار للإيمان..

وقال أيضا: حين يصبح لديك فراغ تعليمي ولاهوتي، لا يصبح لديك سوى التفاصيل السطحية التي لا فائدة منها على المستوى الإيماني.. لكنها بالنسبة للشخص الذي لا يفقه من الدين سوى تلك التفاصيل هي كل الإيمان.. ومن يترك منها تفصيلة يترك الإيمان.

وأضاف ماركو الأمين: أرى أن هناك غيابا يقرأ ضمن السياق العام من غياب بديهيات تاريخية ومن حالة الجمود الفكري ومخافة تهمة التحريف، التي تدفع كنيسة الأقباط للتمسك بتراث يحتاج إلى مراجعة.. وقد يدفع هذا التمسك الأعمى البعض إلى اتخاذ مواقف ساخرة وناقدة..الأعياد المدنية مقابل الدينية..

وختم ماركو الأمين: في مصر لا أعتقد أن هناك فرقا واضحا، لكن بالتأكيد في الغرب حدث تفريغ للمناسبات الدينية...