19 - 12 - 2025

فوضى جوائز وزارة الثقافة المصرية

فوضى جوائز وزارة الثقافة المصرية

تضم وزارة الثقافة المصرية عددًا من الهيئات والمؤسسات الثقافية الكبرى، مثل المجلس الأعلى للثقافة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمركز القومي للترجمة، وأكاديمية الفنون، وغيرها. غير أن هذه الكيانات تعمل في كثير من الأحيان كما لو كانت جزرًا منعزلة، دون رؤية تكاملية وتنسيق مؤسسي حقيقي. وتبرز هذه المسألة بوضوح في ملف الجوائز الثقافية، الذي يعاني من قدر ملحوظ من التخبط والعشوائية في المعايير والاستمرارية.

ويأتي في مقدمة الأمثلة جائزة نجيب محفوظ في الرواية العربية، التي ينظمها المجلس الأعلى للثقافة سنويًا، وتمنح لروائي مصري وآخر عربي، بقيمة 75 ألف جنيه مصري لكل فائز. أطلقت الجائزة عام 1999، ثم توقفت لسنوات قبل أن يعاد إحياؤها عام 2017 بعد توقف دام قرابة 18 عامًا، مع رفع قيمتها المالية إلى ما كان يعادل آنذاك نحو 2300 دولار أمريكي. 

 في هذا العام، أعلن الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عن تدشين جائزة جديدة تحمل اسم نجيب محفوظ، تتبع الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتبلغ قيمتها 500 ألف جنيه مصري. ويثير هذا الإعلان تساؤلات مشروعة حول منطق تكرار وزارة واحدة لجائزتين تحملان الاسم نفسه، دون تنسيق مؤسسي يؤكد على حالة الارتباك الإداري في إدارة ملف الجوائز.

تتضاعف إشكالية الاسم إذا ما وضعنا في الاعتبار وجود جائزة دولية أخرى تحمل اسم أديب نوبل، تعد الأقدم تاريخيًا، وتنظمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ عام 1996، وتتميز بترجمة العمل الفائز إلى اللغة الإنجليزية، غير أن هذا لا يعني ترك جهة أجنبية تحتكر اسم أديب مصر الأبرز، وما قد يترتب على ذلك من تحميل هذا الاسم رمزيًا أو ثقافيًا تصورات أو أجندات معرفية لا تتطابق مع السياق الثقافي المصري أو مع ثوابته الوطنية، وهو ما يستدعي حضورًا مصريًا مؤسسيًا  في إدارة إرث نجيب محفوظ الرمزي، وضمان استمرار جائزته عبر توحيد جهود مؤسسات وزارة الثقافة في هذا الصدد، دون إنكار للدور الدولي أو التقليل من قيمته.

ومن القضايا التي يجدر تسليط الضوء عليها في جوائز وزارة الثقافة، بمختلف قطاعاتها، تدني قيمتها المادية، وعدم مراعاتها للتقلبات التي لحقت بالعملة المصرية خلال السنوات الأخيرة. فهناك عشرات الجوائز التي تعلن عنها جهات مثل المجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمركز القومي للمسرح… إلخ، لا تتجاوز قيمتها عشرة آلاف جنيه، بل إن بعضها يقل عن ذلك.  ما يستدعي مطالبة جادة بإعادة نظر شاملة من وزارة الثقافة في القيم المادية للعديد من هذه الجوائز. فتقديم الجوائز لفئة الشباب لا يمكن أن يكون مبررًا لجعل قيمتها ألفًا أو ألفين، ولا حتى خمسين، في ظل ما ينتظر منها من أثر تحفيزي حقيقي، ودور فعال في دعم التجارب الإبداعية في بداياتها.

من المؤسف أن تتحول فكرة الجوائز إلى مجرد إعلان شكلي، لا يترتب عليه تأثير فعلي في المشهد الثقافي، ولا ينعكس على المسارات المهنية للمبدعين. والأكثر إشكالًا أن ضآلة القيمة المادية كثيرًا ما تقترن بتكرار الأسماء نفسها، بما يفرغ مفهوم المنافسة من مضمونه، ويحول الجوائز إلى دائرة مغلقة.

إعادة النظر العاجلة في قيم هذه الجوائز ومعاييرها أمر لا يحتمل التأجيل، حتى تستعيد دورها الحقيقي في منح التقدير اللائق ودعم المبدعين دعمًا فعليًا، بدلًا من وضعها الراهن كجوائز هزيلة، أو كاستيفاء أوراق تحفظ في الأدراج بوصفها إنجازًا وهميا تسجله لجنة أو هيئة بعينها، من دون أن تترك أثرا يذكر أو صنع فارق ثقافي حقيقي  يظهر على أرض الواقع.

ويضاف إلى ذلك ما تتضمنه بعض الجوائز من شروط غريبة أو غير منطقية، تثير تساؤلات جادة حول فلسفتها وأهدافها. ومن الأمثلة اللافتة ما أعلنته الهيئة العامة لقصور الثقافة مؤخرًا بشأن «جائزة الثقافة الجماهيرية في الآداب»، التي تضمنت شروطًا عجيبة، من بينها، ألا يكون المتقدم قد حصل سابقًا على إحدى الجوائز العربية الكبرى، وأن يكون قد مضى على نشر كتابه الأول ما لا يقل عن عشرين عامًا، مع تقديم ما يثبت ذلك. وهي شروط لا تحتاج إلى كثير شرح لكشف ما تنطوي عليه من غرابة، وتطرح علامات استفهام حقيقية حول منطقها، والفلسفة الثقافية التي تحكم صياغتها.

ويزيد من أزمة هذه الجوائز غياب منصات مخصصة لها، تعلن من خلالها بشكل منتظم، وتكشف تاريخها، وأهدافها، وأدوارها، وأرشيف الفائزين بها عبر السنوات، فضلًا عن أسماء لجان التحكيم ومعايير الاختيار. فعلى عكس الجوائز الثقافية الكبرى العربية والعالمية، التي تمتلك مواقع إلكترونية واضحة، وذاكرة مؤسسية موثقة، وحضورًا إعلاميًا يضمن الشفافية والاستمرارية، نجد أن معظم جوائز وزارة الثقافة بلا أرشيف رقمي معرفي.

في المحصلة، أزمة جوائز وزارة الثقافة رغم تعددها وتنوعها غياب الرؤية والتنسيق  والجدية في إدارتها لجعلها فاعلة بصدق. حتى أصبح الكثير منها بلا معايير واضحة أو قيم مادية عادلة، ولا تملك ذاكرة مؤسسية، ما حولها إلى فعل إداري لا أكثر.  فالدولة تعلن دومًا دعمها للثقافة، لأنها ركيزة من ركائز القوة الناعمة لمصر، ومن أول تجليات هذا الدعم يجب أن يكون في إعادة هيكلة منظومة الجوائز الثقافية، بأن تصبح أكثر شفافية وموثوقية وهو ما سيتيح لها التأثير المرجو في حياة المبدعين وفي الوعي العام.  
---------------------------
بقلم: د. عبدالكريم الحجراوي

مقالات اخرى للكاتب

فوضى جوائز وزارة الثقافة المصرية