18 - 12 - 2025

ولكم فى الوعي حياة يا أولي الألباب.. (الوعي= الحياة)

ولكم فى الوعي حياة يا أولي الألباب.. (الوعي= الحياة)

وحتى ندحض فرية أن كليات الآداب غير ذات فائدة ، قامت كلية الآداب جامعة العاصمة (حلوان سابقا)، بقيادة عميدها الأستاذ الدكتور أحمد راوي وجميع فريق عمله ورعاية ومباركة الأستاذ الدكتور السيد قنديل رئيس الجامعة بإطلاق مبادرة رائعة أطلقوا عليها ، الوعي حياة.

وهذه دلالة مهمة على الدور الذي تلعبه لا أقول كلية الآداب بجامعة العاصمة وحدها وإنما الدور الذي تقوم به كليات الآداب في جامعات مصر منذ إنشائها إلى الآن وستظل الرائدة في هذا المجال.

تنمية الوعي لدي طلابها ، فليس دورها مقصورا على العملية التعليمية وحسبنا ، وإنما دورها ممتد إلى كافة مناحي حياتنا المعيشة. لأننا عندما نخرج طالبا من أروقتنا مثقفا سياسيا وأدبيا واجتماعيا ، فسيفيد مجتمعه الذي سيتعامل معه بعد تخرجه.

كذلك عندما تقوم كلية الآداب جامعة العاصمة باستقدام أساتذة متخصصين في كافة المجالات لإعطاء محاضرات وعقدت ندوات وإقامة ورش عمل للطلاب وللاساتذة على حد سواء ، أليس ذلك يثري حياتنا بمادة تثقيفية تفيدنا جميعا.

فمما لا شك فيه أن النهوض بدولة من الدول وتحقيق تنميتها المستدامة دأب وديدن قادتها وشغلهم الشاغل، لكن من هؤلاء، أولئك المخلصين الذين أخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية، فالمسؤولية أمانة ، والمناصب تكليف وليست تشريفا.

وإذا كان ذلك كذلك ، فإنه ثم معينات تعين الحاكم على أداء مهامه، لابد من توافرها حتى يستطيع أداء ما عليه من مسؤوليات تجاه مواطنيه.

الحاكم سواء رئيسا أو وزيرا ، أو رئيس مؤسسة أو مصلحة حكومية أو عمل خاص، أيا كانت طبيعة القيادة حتى لو كان قائد سيارة أو قطار، لابد من توافر ما يعينه على الوصول بسفينته إلى بر الأمان، فإن زمن المعجزات قد انتهى وولى ، وأنه ليس ثمة عصا سحرية إنما هي أوهام كأوهام كهف أفلاطون ، أو أوهام سوق فرانسيس بيكون.

فإذا علمنا ذلك جيدا فلنعلم أيضا أن ثم نعمة منحها الله إيانا، ألا وهي نعمة العقل المستبصر الذي يقرأ الصورة جيدا لا ينبهر بألوانها البراقة، وإنما يغوص محللا مضمونها.

فلا ينخدع بالشعارات الجوفاء والكلمات المعسولة، والورود التي تملأ أرجاء أماكن الزيارات، ومجرد ما أن يولي وجهه عن المكان تعود ريما إلى عادتها القديمة.

أما عن المعينات.

أولا: الوقوف قلبا وقالبا، جملة وتفصيلا بإخلاص خلف قياداتنا طارحين خلفنا الأنا والأنانية والمغالاة في حب الذات وتغليب مصلحة الوطن.

ثانيا: تهيئة بطانة صالحة لا هم لها ولا هدف إلا مصلحة شعوبها، دأبها وشغلها الشاغل التفاني في العمل على كافة الأصعدة والمستويات، تنصح بإخلاص إذا ما طلب نصحها، وتبدي رأيها دون مداهنة أو مجاملة في كل صغيرة وكبيرة تخص المواطن ولا تدخر جهدا في خدمة بلدها..

وإذا رأت أنها ليست أهلا لتحمل المسؤولية، فعليها ترك مكانها لمن هو أهل له دونما ضيق أو ضجر أو إثارة الفتن وبلبلة الرأي العام وتشويه كل منجز تم على أرض الواقع.

ثالثا: طرح الشائعات جانبا وعدم التأثر بما يقدمه مروجوها، أولئك الذين لا يريدون خيرا للبلاد، إنما همهم وشغلهم الشاغل زعزعة أمن واستقرار البلاد واستفزاز المواطن البسيط مستغلين الأزمات التي يتعرض لها العالم كله طريقا لهم للوصول إلى مآربهم غير السوية.

ومن ثم وجب على كل محب لوطنه إغلاق الأبواب في وجه أمثال هؤلاء.

وهذا بدوره يحقق الاستقرار والسلام والأمن الداخلي للمواطن، فيحيا حياة هادئة بعيدا عن مسببات القلق النفسي وأهم هذه المسببات سيكولوجية الشائعة التي تلعب على دغدغة مشاعر البسطاء أولئك الذين يشكلون الغالبية العظمى للشعوب.

رابعا: المكاشفة والمصارحة في ما هو مباح ذكره.

نعم هناك أمور لا يمكن التحدث عنها إلا في أضيق الحدود، ولا يمكن التحدث عنها أمام أقرب الأقارب، كاتخاذ قرارات الحرب أو ما يخص الأمن القومي للبلاد، فلا يمكن الحديث مثلا على شاشات التلفاز، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما ضرورة توخي الحذر.

أما ما دون ذلك فيمكن مناقشته في مؤتمرات مفتوحة يدعى إليها أهل الخبرات في مختلف المجالات، ويدعى إليها الشباب الذين هم عصب البلاد وصمام أمانها فهم يشكلون ثروة قومية ، ضرورة ملحة الإستفادة منهم وزرعهم بعد تدريبهم في كل مفاصل الدولة مدعومين بخبرات الكبار دون تسلط من الكبار ودونما عصبية وحمية وحماسة الشباب وإنما عن طريق إبداء الرأى وقبول الرأي الآخر.

فلابد أن يكون الجميع على وعي تام

مقومات استقرار الدول وتحقيق نهضتها الشاملة وتنميتها المستدامة لا يكون إلا عن طريق تنمية وعي المواطن ولا يتحقق ذلك إلا من خلال ما يلي.

أولا: تنمية الوعي الديني لدى الجميع بدءا من طلاب الجامعات، ولكي يتحقق ذلك، فلا بد من وجود خطاب ديني متزن متكامل لا يعتمد على التضليل واعتماد الحناجر الجهورية ولا عن طريق الأمر بالمعروف والبر والمتحدث أبعد ما يكون عن ذلك، ولا كمن يقف خطيبا يدعو الناس إلى الزهد والتقشف وهو أبعد ما يكون عنهما، أو كمن يدعو إلى المواطنة وحب الوطن وإذا ما حدث مكروه كان أول من يغادر البلاد.

وإنما خطاب ديني رائد يوضح للناس قيمة حب الوطن والتعاون والإخلاص في حبه. كذلك شرح مفهوم الدين الصحيح الذي ينبذ التطرف والإرهاب والمغالاة والتشديد وقتل النفس.

وتنمية عقيدة الولاء والبراء في قلوب وأفئدة المواطنين ، الولاء للوطن الذي حبه من الإيمان والولاء لترابه وبذل الغالي والنفيس لنصرته كل في مكانه. والبراء من كل من يعادي الوطن ، وكل من يثير الفتن والقلاقل ، وكل من يروج الشائعات ، وكل من يحاول زعزعة أمن الوطن واستقراره ، وكل من يقف عقبة كئود وحجر عثرة في سبيل تحقيق تنميته والنهوض به.

ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال علماء أجلاء مشهود لهم بالتقى والعفاف والاستغناء عن المآرب الدنيوية، شغلهم الشاغل حب الله ورسوله الذين أمرنا بحب الوطن.

فليس كل من ارتدى جلبابا قصيرا ووضع مسواكا ومصحفا في جيبه ينصب نفسه داعية، فالدعوة لها ضوابطها وشروطها وإلا ستخرج عن مضمونها الحقيقي.

ثانيا: تنمية الوعي الثقافي لدى الطلاب والمواطنين على حد سواء.

فالثقافة عليها معول كبير في نهضة الأمم، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تستقيم دولة وشعبها مغيب ثقافيا، بمعنى توسيع مداركه وتغذية عقله وتثقيفه ثقافة مستنيرة . وذلك عن طريق الدعوة المستمرة للقراءة والمطالبة بزيادة عدد المكتبات العامة وتفعيل دورها فلا ينبغي أن تكون كتب تملأ الأرفف دونما الإستفادة منها، إحياء مشروع القراءة للجميع، تفعيل دور الثقافة الجماهيرية، عقد ندوات ومؤتمرات تنظمها وزارة الثقافة، تخصيص مبالغ مالية لجوائز قيمة تمنح للمبدعين يحكمها حكام عدول دونما وساطة أو محسوبية .

ليس هذا وحسب بل وعن طريق استخدام وسائل الإعلام، فعليها دور فعال في إثراء الحياة الثقافية للمواطنين عن طريق إعادة هيكلة البرامج الثقافية التي تبث عبر تليفزيون الدولة ومراقبة ما تقدمه القنوات الخاصة من مادة ثقافية يستفيد منها المواطن وتسهم إسهاما مباشرا في تنمية وعيه.

ثالثا: تنمية وعي الطالب و المواطن سياسيا، عن طريق مشاركته مشاركة فعالة في المجالس المحلية والمجالس النيابية، وعن طريق مشاركته الحزبية، وتوفير قاعدة بيانات له تعينه على الإدلاء بصوته ممارسا حقه الدستوري في ذلك وحثه على المشاركة.

هذه واحدة، أما الثانية فتتمثل في فرض رقابة أمنية مشددة لحماية المواطن أمام لجان الانتخابات من التنكيل والبطش به من بلاطجة بعض المرشحين.

وكذلك فرض الرقابة الصارمة خصوصا في القرى والنجوع والأحياء الشعبية على رأس المال السياسي لشراء الأصوات والتي وصل الصوت في بعض المناطق إلى ألف جنيه، مستغلين حالات العوز والحاجة للمواطنين الفقراء.

رابعا: تنمية وعي الطلاب والمواطنين وإحاطتهم بالعملية التعليمية، وأن استقامة البلاد لا تكون إلا بالعلم منعا للجهل والأمية. وإحاطته بجريمة تسريب أولاده من التعليم.وضرورة متابعته لأولاده ومتابعة معلميهم في مدارسهم.

خامسا: تنمية وعي الطالب و المواطن عسكريا عن طريق توضيح أهمية إلحاق أبنائهم بأداء الخدمة العسكرية ، يؤديها عن طيب خاطر ، فأبناؤنا الجنود هم حماة الوطن وحراس حدوده من تربص المتربصين من حوالينا ، فعزنا وقوتنا بالله تعالى ، وبجندنا الذين هم خير أجناد الأرض.

كذلك توعية المواطن بتسليحنا وبقوتنا العسكرية التي يستشعر معها بالفخر وأن له سيف ودرع يحمي حماه وما ينفق عليه لا يضيع سدى، فقوة الدول من قوة جيوشها.

سادسا: تنمية وعي الطلاب المواطنين بالنهضة الحضارية وبقيمة المشروعات التنموية التي نفذت والتي هي قيد التنفيذ، من مشروعات عملاقة ما كان يمكن أن تنفذ إلا من خلال قرارات جريئة، وما كان يمكن تنفيذها إلا من خلال جهود المخلصين المحبين للوطن.

إذا أردنا حقا النهوض بوطننا وتحقيق استقراره فلابد من تنمية وعي المواطنين وتوسيع مداركهم وإفهامهم دونما إفراط أو تفريط.

وهذا لن يتحقق إلا بإطلاق مبادرات مثل التي أطلقتها كلية الآداب جامعة العاصمة، ونتمنى أن يحذو حذوها الجميع في جميع جامعات مصر المحروسة.

حفظ الله كليتنا ، آداب العاصمة.
------------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
* أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.

مقالات اخرى للكاتب

ولكم فى الوعي حياة يا أولي الألباب.. (الوعي= الحياة)