في كتابٍ لا يكتفي بتفكيك المفاهيم، بل يُخضعها للاختبار، يعود إلينا كتاب "ضد النظرية" الصادر عن المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتورة رشا صالح، تأليف بول دو مان، وترجمة الدكتور مرسي عواد، ليضع القارئ في قلب واحدة من أكثر المعارك الفكرية تعقيدًا في تاريخ النقد الأدبي الحديث.
هنا، يُحكِّم المفكر والناقد الأمريكي بول دومان منهج القراءة النصية الذي اختاره ودافع عنه طويلًا، مقدمًا أطروحته المتكاملة في سياق المقاومة التي واجهها هذا المنهج داخل الواقع النقدي الأمريكي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
يتجاوز الكتاب حدود المقاربة الأحادية، إذ تتعانق فيه المباحث اللسانية مع الرؤى النقدية، مستعينة بأسئلة الفلسفة، وإشكاليات التاريخ والتاريخانية، ليغدو التأسيس النظري قرينًا للتطبيق العملي، وتتحول القراءة من ممارسة تفسيرية إلى فعل مساءلة عميق للمعنى وحدوده وإمكاناته.
ولا يقف النص عند فضاء لغوي أو ثقافي واحد؛ فالنصوص التي يستند إليها دومان في تنظيره وتحليله تنتمي إلى آفاق عالمية التوجه والذائقة، لا تحبسها لغة ولا ثقافة ولا تقليد أدبي بعينه، وإن ظلت في مجملها غربية المرجع. وهكذا تتجاور الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية، في حوار كثيف بين لغات وثقافات وتقاليد أدبية عريقة، يظل وعي دومان منفتحًا عليها جميعًا، في جوارية ثرية في منطلقاتها ونتائجها.






