في قلب القاهرة، وعلى ضفاف الزمالك الساحرة، يسطع "ضي" جاليري ليصبح مسرحا لحوار فنى عميق يترجم نبض الروح السعودية، مجسدا رحلة التشكيل من مرحلة الريادة إلى ذروة المعاصرة. إنها ليست مجرد لوحات، بل ميثاق بصري يوثق علاقة الفنان بأرضه وتاريخه، ويمتد عبر الجغرافيا ليصافح تاريخ الفن العربي في مهده القديم.
أضواء على سيرة فنية خالدة: عبدالحليم رضوي.. الفيلسوف بالريشة
يتخذ الحدث بعدا ميتافيزيقيا خاصا، حيث يحتفى برائد الفن التشكيلي السعودي الراحل الدكتور عبدالحليم رضوي، في قاعة مخصصة تنضح بأعماله المائية والزيتية. إن رضوي ليس فنانا فحسب، بل هو فيلسوف الجمال الذي أدرك أن الأصالة لا تكمن في التقليد، بل في استلهام الجذور ثم الانطلاق نحو أفق الحداثة برؤية متفردة.
تمثل أعماله شهادة على الزمن، حيث مزج الروحانية الإسلامية والتراث العربي بأساليب التعبير الحديث، مقدما نموذجا لكيفية أن يكون الفن جسرا بين الإرث والمستقبل.
خلاصة التجربة: في كل ضربة فرشاة، نلمس إصراره على أن يكون للتشكيل دور في الثقافة العامة للمجتمع، مانحا فنه من روحه دون بخل، ليترسخ بذلك تأثيره الذي لا يمحوه الغياب.
لا يقف المعرض عند استعادة سيرة الماضي المضيء، بل يتسع ليشمل كوكبة من رواد وكبار التشكيليين المعاصرين، في حراك فني يجسد فلسفة التطور والامتداد. فمن المشاركين بالقاعة الأخرى: عبدالله حماس، طه الصبان، ايمن يسرى، عبدالله ادريس، خالد الامير، فهد خليف، بكر شيخون، سمير الدهام، هاشم سلطان، شاليمار الشربتلى، محمد الغامدى، فيصل السمرة، فؤاد مغربل، علا حجازى، وآخرون
إن مشاركة هذا الطيف الواسع من المبدعين السعوديين في عاصمة الفن العربية، القاهرة، هو تأكيد على وحدة الوجدان الفني العربي، حيث تلتقي مدارس وتجارب متنوعة لتشكل فسيفساء إبداعية غنية.
هنا، ينظر المعاصرون إلى تجربة الرائد رضوي لا كنهاية، بل كنقطة انطلاق، مؤكدين أن الفن هو سيرورة لا تتوقف، وأن كل جيل يحمل شعلة الجمال ليضيف ضوءه الخاص إلى مسيرة الأمة الفنية. إنهم يقدمون بصماتهم التي تنضح بالهوية، تارة في تجريد رمزى، وتارة في واقعية ناقدة، لكن القاسم المشترك يظل هو البحث عن الجمال في جوهر الذات والبيئة.
إن هذا الحدث في جاليري "ضي" بالزمالك يتجاوز كونه معرضا فنيا، ليصبح ملتقى ثقافيا ومعنويا. هو دليل على أن الرسالة الفنية لا تعترف بالحدود، وأن القاهرة، بمثابة الأم الثقافية للعرب، تفتح ذراعيها لرؤى الجزيرة العربية الفنية، فى إثراء متبادل يضيء المشهد التشكيلي العربي ككل.
بهذا التجمع البهى، ترسخ المملكة العربية السعودية حضورها الفني على الساحة العربية والدولية، مقدمة عمقها التاريخي ومستقبلها الإبداعى في آن واحد، في رحلة بصرية تدعو إلى إدراك الجمال كقيمة عليا في حركة الوجود.
------------------------------
بقلم: د. سامى البلشي

















