18 - 12 - 2025

عندما تنهار الثقة.. من يحمي أطفالنا؟

عندما تنهار الثقة.. من يحمي أطفالنا؟

لم تمض أيام على كارثة مدرسة السلام حتى وجدنا أنفسنا أمام مأساة جديدة، داخل مدرسة دولية راقية، أولياء أمور لاحظوا تغيرًا مفاجئًا في سلوك أطفالهم، كلمات صغيرة، رعب من تهديدات، لتنفجر في الوجوه حقيقة اعتداء جنسي ارتكبه فرد أمن، مستغلًا أماكن بلا كاميرات، وأوقاتًا بلا رقابة، التحقيقات الأولية أشارت إلى اعتداء المتهم على خمسة أطفال، مع احتمال تواطؤ موظفين آخرين داخل المدرسة، بشاعة الأمر أنه جاء من داخل مؤسسة تُسوّق نفسها باعتبارها “بيئة آمنة راقية”.

هذا النوع من الانتهاكات يطرح سؤالا جوهريا: هل المؤسسات التعليمية في مصر محمية فعلاً بمعايير حماية الطفل، أم أن الفجوات التنظيمية تجعل الأطفال هدفًا سهلاً؟

البيانات الدولية تُظهر أن الظاهرة ليست محلية ولا استثنائية، تقديرات اليونيسف تشير إلى أن “واحدًا من كل ثمانية أطفال في العالم” تعرّض لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي قبل سن 18، ما يقارب 650 مليون امرأة وفتاة تعرضن لعنف جنسي في الطفولة، أما الذكور، فتتراوح التقديرات بين 410–530  مليونًا، معدل الاعتداءات داخل المدارس يصل إلى 1.6% عالميًا، وهو رقم يبدو قليلًا لكنه يمثل مئات الآلاف من الضحايا سنويًا.

الأطفال في المدارس.. جرس إنذار

في مصر، الأرقام الرسمية أقل كثيرًا قياسًا بحجم الطلاب، ليس لورع وإيمان لكن لفجوة بين الواقع وما يتم الإبلاغ عنه، فعدة منظمات دولية سجلت أن الكثير لا يصل إلى الشرطة بسبب الخوف الاجتماعي، الضغط، التشكيك، أو ضعف الوعي، ما يحدث داخل المدارس الخاصة أو الدولية، رغم ارتفاع المصروفات وتجهيزات المباني، يثبت أن “الفخامة” ليست ضمانًا للأمان، العنف الجنسي ضد الأطفال لا يترك جرحًا لحظيًا بل تشوه طويل الأمد، خبراء نفسيون حذروا من أن الطفولة المبكرة هي المرحلة الأكثر هشاشة: تتشكل فيها الثقة، مفهوم الجسد، والقدرة على التفاعل مع العالم، أي انتهاك في هذا العمر يعيد تشكيل علاقة الطفل بنفسه وبمحيطه، من دون رعاية نفسية عاجلة، قد يلازم الطفل شعور بالذنب أو الخوف أو الانسحاب، وربما يتعرض لصعوبات تعليمية واجتماعية لاحقة، أو الأخطر قد يتحول هو نفسه إلى مصدر تهديد ومجرم خطير.

قضية “جزيرة إبستين” مثلا تبين أن هذه الجرائم لا تحدث في البيئات المهمشة فقط، بل يمكن أن تقع في أماكن النخبة، خلف جدران فاخرة وواجهات أنيقة، الاستغلال لا يرتبط بالفقر بل بالفرصة وغياب الرقابة، كلما زادت السرية وضعفت المساءلة، ارتفعت احتمالات الجريمة، لهذا فحماية الأطفال داخل المدارس ليست رفاهية ولا شعارًا إداريًا، مطلوب كاميرات تغطي جميع الممرات والغرف، لجان حماية طفل داخل كل مدرسة، تدريب للعاملين على معايير حماية الأطفال بشكل استباقي، قواعد صارمة تمنع أي خلوة بين أي فرد بالغ وطفل، آليات تبليغ سرية وسريعة، وتدقيق دوري على الموظفين، أيضًا، على أولياء الأمور الانتباه للتغيرات السلوكية مهما بدت بسيطة، فالأطفال لا يملكون اللغة لوصف الجريمة لكنهم يملكون ردود أفعال تدق ناقوس الخطر، على الجميع دراسة تعليم الطفل الكرامة الجسدية بطرق تناسب عمره وكيف يبعد هذا الخطر بمجرد اقترابه منه، إن التستر في هذه القضايا مشاركة في الجريمة سندفع ثمنه جميعاً.

المجتمع الذي لا يحمي أطفاله يلقي بمستقبله أدراج الرياح، الحادثة الأخيرة ليست مجرد قضية جنائية، بل تحذير واضح بأن منظومة حماية الأطفال تحتاج إلى إعادة بناء على مستوى السياسات، المؤسسات، والعائلات، المدرسة يجب أن تكون أكثر الأماكن أمانًا في حياة الطفل، لا مسرحًا لأسوأ كوابيسه.
--------------------------
بقلم: إنچي مطاوع

مقالات اخرى للكاتب

عندما تنهار الثقة.. من يحمي أطفالنا؟