في مجتمع يفتخر بمبادئ العدالة والمساواة، يظل أصحاب الهمم في مصر يعانون أكثر مما يُعلن رسمياً، ويواجهون تحديات يومية تجعل حياتهم أشبه بمعركة مستمرة مع الواقع. على الرغم من وعود المسؤولين المتكررة بتوفير الدعم والحماية، إلا أن الواقع يشهد فجوة كبيرة بين الكلام على الورق وبين التنفيذ على الأرض.
أصحاب الهمم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصري، ويستحقون العيش بكرامة والمشاركة الفاعلة في سوق العمل، والحصول على الخدمات الأساسية التي تتيح لهم استقلالية حياتهم. ومع ذلك، نجد أن شوارعنا ومواصلاتنا العامة لا تزال غير صديقة لهم، وكثير من المؤسسات التعليمية والصحية لم تلتزم بالمعايير اللازمة لتسهيل حياتهم، ما يجعلهم معتمدين على أسرهم أو الجمعيات الخيرية في أغلب الأمور.
وعلى صعيد فرص العمل، نجد أن هناك وعودًا رنانة بتوظيف أصحاب الهمم، وبرامج تدريبية وتنموية، لكنها غالبًا ما تظل حبرًا على ورق. كم عدد أصحاب الهمم الذين يحصلون فعليًا على وظائف مناسبة، أو مرتبات كافية تساعدهم على العيش دون معاناة؟ الواقع المؤلم أن النسبة ضئيلة للغاية، وأن غالبية البرامج لا تتجاوز كونها شعارات إعلامية بلا متابعة حقيقية.
أما الدعم المالي والخدمات الاجتماعية، فهو دون المستوى المطلوب. المعاشات والتعويضات الرمزية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وتظل الأسر المسؤولة عنهم تتحمل أعباء الحياة اليومية وحدها. حتى القوانين التي تهدف إلى حماية حقوقهم غالبًا ما تبقى حبرًا على ورق، وتفتقر إلى تطبيق صارم أو رقابة حقيقية.
من أبرز المشاكل العملية التي يعاني منها أصحاب الهمم هي بطاقة الخدمات المتكاملة:
إصدارها صعب للغاية، وتجديدها كل ثلاث سنوات يمثل عبئًا بدنيًا وماليًا كبيرًا على أصحاب الهمم وأسرهم، وهو ما يضاعف المعاناة اليومية بدل أن يخففها.
وبصفتي قياديًا عماليًا، أطالب الدولة بأن تصدر بطاقة خدمات متكاملة سارية مدى الحياة، لتكون خطوة حقيقية نحو التسهيل والكرامة، وتخفف العبء المستمر على هذه الشريحة المهمة من المجتمع.
وعلى المستوى الثقافي والاجتماعي، يظل الوعي المجتمعي حول قدرات أصحاب الهمم محدودًا، وما زال البعض ينظر إليهم بعين الشفقة أو الاستبعاد، بدلاً من دعمهم وتمكينهم. التمييز الاجتماعي، ولو بشكل غير مباشر، يعيق كثيرًا من فرصهم في الحياة الطبيعية، ويجعلهم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
أصحاب الهمم ليسوا مجرد أرقام أو قصص تُعرض في مناسبات خاصة، بل هم قوة بشرية منتجة إذا ما أتيحت لهم البيئة المناسبة. ما يحتاجونه ليس وعودًا إعلامية رنانة، بل إجراءات حقيقية: توظيف فعلي، خدمات تعليمية وصحية ملائمة، شوارع ومواصلات صديقة، دمج كامل في المجتمع، دعم مالي كافٍ، وبطاقة خدمات متكاملة سهلة الإصدار وسارية مدى الحياة.
كقيادي عمالي، أصر على أن حقوق أصحاب الهمم يجب أن تُصبح أولوية على طاولة كل مسؤول، وألا تبقى شعارات جوفاء. مطالبهم ليست مبالغًا فيها، بل هي أبسط الحقوق الإنسانية. المجتمع الذي يهمل قدرات أبنائه من أصحاب الهمم هو مجتمع نصفه معاق عن تقدّم حقيقي.
أخيرًا، على الدولة أن تتحرك بخطوات عملية وشفافة، وتتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه هذه الشريحة التي تستحق أن تعيش حياة كريمة، وأن تشارك في بناء وطنها بكل عزيمة وكرامة.
----------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين






