18 - 12 - 2025

أمنيات عقلانية في مرحلة وطنية حرجة

أمنيات عقلانية في مرحلة وطنية حرجة

تحظى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي المتعلقة بالمستقبل عادة باهتمام واسع، غير أنّ قوله مؤخرًا إنّه لم يعد يحمل أمنيات شخصية وإنّ ما يتمناه هو تلبية رغبات المصريين، فتح الباب أمام سؤال محوري: ما الذي ينتظره المصريون فعلًا من دولتهم؟

خلال السنوات الماضية، مرّ المصريون بتجارب سياسية واقتصادية قاسية صقلت وعيهم ودفعتهم إلى تبني رؤية أكثر واقعية. فهم لم يعودوا يبحثون عن الشعارات، بل عن سياسات واضحة تلامس تفاصيل حياتهم اليومية، وعلى رأسها احترام الدستور وتداول السلطة.

فمع اقتراب نهاية الولاية الرئاسية في عام 2030، يتطلع قطاع واسع من المواطنين إلى الالتزام بالنصوص الدستورية دون تعديل أو تمديد، باعتبار ذلك أساسًا لترسيخ دولة القانون وتعزيز الثقة في المستقبل.

ويبرز كذلك ملف المحبوسين السياسيين بوصفه أحد أكثر القضايا إلحاحًا. فإغلاق المجال العام وحبس جزء من الطاقات الفكرية والثقافية لا يخدم الاستقرار، فيما أثبتت التجارب الدولية أن الانفراج السياسي يقوّي الدولة ولا يضعفها. ومن ثمّ بات الإفراج عن المحبوسين ضرورة لإعادة التوازن للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وتهيئة مناخ جاد للحوار الوطني.

أما الوضع الاقتصادي، فهو الهاجس الأكبر لدى المواطنين. فقد أثّرت الديون المتزايدة وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية على مستوى المعيشة وأحدثت موجات من الإحباط. ولا يطالب المصريون بحلول سحرية، بل بخطة اقتصادية واضحة وشفافة، قابلة للقياس، تعكس مشاركة الدولة للمواطنين في تحمّل الأعباء، لا تحميلهم إياها بمفردهم.

ورغم أهمية مشروعات البنية التحتية، تتزايد القناعة بأن الاستثمار في الإنسان - عبر تطوير التعليم والصحة - هو الركيزة الأساسية لأي تقدم حقيقي. فمدرسة جيدة ومعلم مؤهل، ومستشفى يحترم المريض، لا تقل أهمية عن أي مشروع عمراني كبير.

ويطالب المصريون كذلك بأن تُدار الدولة عبر خبرات حقيقية ورؤى متخصصة، بعيدًا عن دوائر المجاملة أو التصفيق. فصنع القرار في دولة بحجم مصر لا يحتمل الرؤية الأحادية، بل يستلزم مشورة واسعة تستند إلى العلم والخبرة.

وتظل حرية التعبير ركيزة للاستقرار، لا تهديدًا له. فالمواطن الذي يُسمح له بالمشاركة في النقاش العام يصبح جزءًا من الحل، بينما يقود التضييق إلى تراكم الاحتقان. وقد أثبتت التجارب أن الدول القوية لا تخشى النقد، بل تستفيد منه.

في المحصلة، تمثل هذه المطالب مجموعة من الأمنيات العقلانية التي تتردد في الشارع المصري. وإذا كانت رغبات المصريين قد باتت - بحسب الرئيس - هي الأولوية، فإن الاستجابة لهذه المطالب في هذه المرحلة الوطنية الحرجة، تمثّل خطوة أساسية نحو بناء علاقة أكثر ثقة بين الدولة ومواطنيها، واستعادة المسار الطبيعي لدولة قوية تستند إلى القانون، وتستثمر في شعبها، وتنصت إليه في اللحظات الحرجة قبل غيرها.
---------------------------
بقلم: إبراهيم خالد

مقالات اخرى للكاتب

الصحافة المصرية بين القيود وأزمة الثقة