06 - 12 - 2025

فلسفة ضياء رشوان في ترويض "الحُلم الطوباوي"

فلسفة ضياء رشوان في ترويض

يُعرَّف "الحلم الطوباوي" بأنه السعي إلى عالم مثالي تسوده العدالة والانسجام، عالم خالٍ من التناقضات والصراعات. ورغم أن الطوباوية تبدو في جوهرها حلمًا بعيد المنال، فإنها قد تتحول إلى قوة دافعة تُلهم أصحابها للارتقاء نحو الأفضل، دون السقوط في مثالية عاجزة أو خيالات منفصلة عن الواقع.

وإذا أردنا فهم فلسفة ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين السابق والمنسق العام للحوار الوطني، في التعامل مع هذا الحلم، فعلينا العودة إلى الجذور الأولى؛ إلى البيت الذي صُقلت فيه شخصيته، وتشكّلت معالم وعيه السياسي والثقافي.

نشأ ضياء رشوان في قرية المحاميد التابعة لمركز أرمنت بمحافظة الأقصر، في أسرة كان الوعي العام فيها ممارسة يومية لا شعارات. فوالده كان عضوًا في البرلمان بغرفتيه، الشيوخ والنواب، لأكثر من أربعين عامًا في النصف الأخير من القرن الماضي، وهي تجربة تُرسّخ معنى المسؤولية العامة، والالتصاق بقضايا الناس، واستيعاب تعقيدات المشهد السياسي بتوازن وعمق.

لم يكن هذا الحضور البرلماني مجرد وظيفة، بل كان مدرسة صامتة علّمته الانضباط، والقدرة على الحوار، وقراءة الواقع بعيدًا عن الانفعال.

وفي الجانب الآخر من البيت، كانت والدته، مُعلمة اللغة الفرنسية بالمرحلة الثانوية، تقدّم نموذجًا مختلفًا لصناعة الوعي: الانفتاح على العالم، والدقة اللغوية، ومنهجية التفكير، واحترام المعرفة. عبرها تعلّم الانضباط العلمي، والاطلاع على ثقافات متعددة، وإدراك قيمة الكلمة المكتوبة.

بين السياسة والثقافة، بين التجربة الميدانية والدقة المنهجية، تكوّنت شخصية ضياء رشوان؛ شخصية تحمل حلمًا طوباويًا لكنها تدرك جيدًا حدود الواقع وحدود الممكن.

وعند التأمل في المسار المهني والفكري لضياء رشوان، نجد أنفسنا أمام شخصية تتجاوز الأطر التقليدية لرجل الإعلام أو الصحافة. إنه نموذج "المثقف المشتبك" الذي لا يكتفي بالتنظير، بل ينخرط في معارك الواقع، بين السلطة والمجتمع، والدولة والرأي العام، وبين ما يجب أن يُقال وما يمكن قوله.

بدأ رحلته في بلاط صاحبة الجلالة كأحد الأصوات التي تمسكت بنزاهة الكلمة واستقلال الموقف.

لكن ما يميّزه لم يكن تاريخه الصحفي فحسب ولا تحليلاته حول "الإسلام السياسي"، بل قدرته على التكيّف مع تحولات المشهد العام دون التخلي عن هويته النقدية.

كان يدرك أن الصوت العالي لا يصنع دائمًا التغيير، وأن الهمس الذكي قد يكون في أحيان كثيرة أكثر فاعلية.

وعندما تولّى منصب نقيب الصحفيين، ثم رئاسة الهيئة العامة للاستعلامات، انتقل من موقع المراقب إلى موقع الفاعل، وهنا ظهرت فلسفته بوضوح:

"الاقتراب من الدولة لا يعني الذوبان فيها، بل قد يكون مدخلًا لتغييرها من الداخل."

وهي رؤية قد لا تحظى بإجماع، لكنها تنتمي إلى مدرسة واقعية ترى أن النقد من الداخل أشد تأثيرًا من الهتاف من خارج الأسوار.

لطالما كانت علاقة المثقف بالسلطة محل جدل، ولم يكن رشوان استثناءً. فهناك من يرى قربه من السلطة مبالغًا فيه، وهناك من يعتبره جسرًا ضروريًا بين ضفتين متخاصمتين.

وتتلخص فلسفة رشوان في البقاء داخل المساحة الرمادية دون أن يتحول إلى بوق رسمي أو يفقد استقلاليته تمامًا.

وفي السنوات الأخيرة، برز رشوان كمنسق عام للحوار الوطني، وهي مهمة تتطلب مهارة لغوية، وحكمة سياسية، وقدرة على إدارة حساسيات الأطراف المختلفة.

يراه البعض قناة وصل، ويراه آخرون ممثلًا لرؤية الدولة، لكنه مع ذلك لم يتردد في تسجيل ملاحظات ناقدة ضمن سقف آمن، تعكس فلسفته الواقعية التي تروض الحلم الطوباوي دون أن تلغيه.

أثارت فترته كنقيب للصحفيين كثيرًا من الجدل. فهناك من يرى أنها شهدت تراجعًا في استقلالية النقابة، وهناك من يرى أنه جنّبها مواجهات خاسرة، وفضّل الحوار على التصعيد.

ورغم الانتقادات، تمسك رشوان بالحوار والتفاوض كوسيلة لحل الأزمات، معتبرًا إياهما استراتيجية أكثر واقعية واستدامة.

يؤمن رشوان بأن حرية التعبير لا تعني الفوضى، وأن الدفاع عن الصحافة لا يبرر الانفلات المهني.

ضياء رشوان ليس مجرد إعلامي أو مسؤول؛ إنه رجل جمع بين الفكر والممارسة، بين الصحافة والسياسة، بين النقد والالتزام، بين القرب من الدولة والحرص على استقلال المجال العام.

ربما يبقى الحكم مؤجلًا حتى تكشف السنوات ما إذا كانت اختياراته حكمة أم تنازلًا، إصلاحًا أم مساومة.

أما أنا، فأثق في الضمير الوطني لضياء رشوان، ولدي يقين بأنه حسن النية، يريد لمصر وشعبها الخير والنجاح.

تفاءلوا بالخير تجدوه.

عاشت مصر حرة مستقلة.
-----------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

فلسفة ضياء رشوان في ترويض