07 - 12 - 2025

الطبقة العاملة وإسكات أصواتها

الطبقة العاملة وإسكات أصواتها

كفاية مجاملات… وكفاية تجميل… وكفاية كلام منمّق لا يشبع جائعاً ولا يحمي عاملاً.

الطبقة العاملة المصرية اليوم تقف وحدها في مواجهة واقع يزداد قسوة، بينما من يملكون القرار يتحدثون عنها كما لو كانت رقماً أو شكوى، لا كما لو كانت العمود الفقري لهذا البلد.

العامل المصري اليوم ليس غاضباً فقط… بل منهك، مُستنزَف، محاصر.

يعمل بيده وظهره، بينما غيره يربح بقلمه وقراره.

يحمل المصانع فوق كتفيه، بينما آخرون يحصلون على المكافآت لأن العامل لم يسقط المصانع رغم كل الضغوط.

هذا ليس وقت التجميل… هذا وقت الحقيقة

الحقيقة أن العامل يعيش حياة أصعب مما يتصور أي مسؤول لا يعرف طابور التموين، ولا سجّل ديون البقال، ولا لحظة أن يقف أب لا يستطيع شراء دواء طفله.

الحقيقة أن الأجر لا يكفي أسبوع، وأن الجنيه يتراجع بينما الأسعار تتقدم كالجيش.

الحقيقة أن العامل يدفع فاتورة أخطاء لم يرتكبها… وخطط لم يشارك فيها… وقرارات لم يُستشر بشأنها.

الحقيقة أن العامل يُطلب منه الصبر بينما لا يصبر عليه أحد.

العدالة الاجتماعية ليست إعلاناً… بل معركة يومية

يكفي استهلاك الشعارات.

يكفي حديث “العدالة الاجتماعية” في المؤتمرات بينما العامل لا يجدها في كشف المرتب.

يكفي ترديد جملة “تحمّلوا الظروف” بينما الظروف نفسها لا ترحم من لا يملك رفاهية الاختيار.

العدالة الاجتماعية ليست بياناً رسمياً…

العدالة أن يحصل العامل على أجر يستطيع به العيش.

العدالة أن تكون الأسعار منطقية، وأن تكون الأسواق تحت رقابة حقيقية لا شكلية.

العدالة أن لا يخاف العامل من الفصل أكثر مما يخاف من المرض.

العدالة أن يكون التدريب حقاً لا منحة مشروطة.

العدالة أن تُعامل يد العامل بما يليق بقيمتها لا بما يليق بالاستغلال.

من الذي يعطل تطور الطبقة العاملة؟

من يعطل العامل هو من يريد إنتاجاً بلا حقوق.

من يعطل العامل هو من يحوّل النقابة إلى ديكور ويمنع صوتها من الوصول.

من يعطل العامل هو من يرى أن الأجر عبء، بينما الأرباح حق مقدس.

من يعطل العامل هو من يطلب منه المعجزات ويمنحه الفتات.

العامل لا يخاف التطور…

العامل يخاف من منع التطور عنه.

العامل لا يرفض الإنتاج…

العامل يرفض أن يعمل ويدفع الثمن وحده.

كيف نحتوي ما يعيق العامل؟ ليس بوعود… بل بإرادة

إذا أردنا نهضة حقيقية، فلن تحدث دون:

أجر يحترم الإنسان قبل أن يطلب منه الاحترام.

تشريعات تحمي العامل لا صاحب النفوذ.

تدريب يرفع العامل لا يضعه في آخر الطابور.

نقابة مستقلة وقوية تقول "لا" حين يجب أن تُقال.

سوق منضبط يمنع امتصاص دم العامل باسم “التجارة الحرة”.

مشاركة العامل في القرار لأنه صاحب اليد… وصاحب الحق… وصاحب المعرفة الحقيقية بموقع العمل.

العامل المصري لا يشحذ حقه… بل يطالب بما يستحقه

العامل لم يطلب يوماً امتيازات، ولم يطلب الثراء، ولم يطلب المستحيل.

هو فقط يريد أن يعيش بكرامة.

يريد أن يعود من عمله دون إذلال.

يريد أن يرى ثمرة جهده في بيته… لا في جيوب من لا يتعبون.

العامل لم يخذل هذا البلد…

هو الذي وقف يوم انهار كل شيء…

هو الذي حافظ على الصناعة حين غابت الرؤية…

هو الذي صبر حين صبر غيره كان خياراً… لا اضطراراً.

الرسالة الأخيرة… لمن يهمه الأمر

لا يمكن لوطن أن ينهض وعمّاله يتساقطون تحت ضغط الغلاء.

ولا يمكن لصناعة أن تتقدم وعاملها يخاف من الغد أكثر مما يخاف من ماكينة العمل.

ولا يمكن لعدالة أن تُبنى على بيانات ونشرات… بينما أرض الواقع تقول العكس.

إن تجاهل العامل ليس مجرد ظلم…

بل خطر على المستقبل.

والتلاعب بحقوق العامل ليس مجرد خطأ…

بل هدم لأساس هذا الوطن.

ولذلك نقولها واضحة… صريحة… بلا تردد:

إن أردتم نهضة حقيقية، فابدأوا بالعامل.

وإن أردتم عدالة حقيقية، فطبّقوها في جيب العامل قبل أن تبثّوها على الشاشات.

وإن أردتم وطناً قوياً، فاحموا من يحمله بالفعل: طبقة هذا الوطن العاملة.
-------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي


مقالات اخرى للكاتب

الطبقة العاملة وإسكات أصواتها