02 - 12 - 2025

"نجوع العرب" بأبو تشت تسقط من أجندة السلطة.. لم يزرها مسؤول منذ 73 عاما

5 الآف مواطن يعيشون وسط مقالب القمامة دون مدارس أو خدمات أو وحدة صحية

جميل أن تسمع إلى المسؤول وهو يحدثك عن خطط التنمية المستدامة بشكل قد يجعلك تعتقد أنك فجأة أصبحت فى غرب القارة العجوز "أوروبا"، ولكن القدر وحده يجعلك تستيقظ فى حالة ذهول عندما ترى عالما موازيا لا تسمع عنه الحكومة ولا المسؤولون، عالم مهمش منذ 200 عام تقريبا، وعندما تخطو قدماك إلى هذه الأماكن تشعر بمرارة "الكذب" بكل معناه.

القدر وحده جعلنا نمر إلى جوار كتلة سكانية فى بداية الطريق الصحراوى الغربى وتقع ضمن حدود واحدة من أكثر مدن مصر إهمالا، وهى مدينة "أبو تشت" شمال محافظة قنا.

سألنا عن اسم المنطقة وعرفنا أنها تضم ما يزيد عن 5 آلاف مواطن ينتمون إلى القبائل العربية الأصيلة، وقد سكنوا المنطقة قبل 200 عام من الآن وتسمى "نجوع العرب" وهى تضم 4 مناطق متلاصقة جميع سكانها أبناء عمومة وأقارب وهي "نجع آل عوض" و "نجع آل سيد" و "نجع بيت العمدة" و "نجع بيت أبو طويلة" 

على بعد 150 متر فقط وفى مدخل "نجوع العرب" الذى يضم كل هذه المناطق قررت محافظة قنا ومنذ زمن عمل مقلب القمامة الرئيسي، والذى يخدم نصف مليون نسمة، وتقوم الوحدة المحلية بأبو تشت بتجميع كل القمامة من نحو 40 قرية، وتلقى بها أمام سكان هذه المنطقة وليلا تقوم بحرقها، وبات معظم القاطنين فيها عرضه لكل الأمراض، والغريب والمحزن معا أن وزيرة البيئة كانت هناك قبل عام وشاهدت بأم عينها مقلب القمامة، وهو ملاصق لهؤلاء البدو المقيمين أصحاب الأرض الحقيقيين.

مفاجأة أخرى مذهلة هي أن هذه المنطقة لا يوجد بها مدرسة واحدة وأن تلاميذ المنطقة موزعون بين مدارس القرى التي تبعد ما يزيد عن 10 كيلو مترات وأحيانا لا يستطيع الأطفال الذهاب مما أوجد نسبة أمية وصلت إلى 75% تقريبا بين الرجال و 100% بين السيدات.  

المنطقة أيضا لا يوجد بها مركز صحى أو وحدة صحية أو عياده طبيب خاص، ولك أن تتخيل أن اقرب مستشفى عام عن المنطقة يبعد 20 كم، ويمر عبر واحدة من أسوأ شبكات الطرق فى مصر.

هذه المنطقة "نجوع العرب" محرومة من نقطة مياه واحدة أغلب اليوم، ويعيش سكانها على المياه الجوفية، ولا تصل لهم المياه إلا بعد منتصف الليل تقريبا، وقد يضطرون للترحال بالجمال والسيارات مرورا بقرى الريف الحضرى حتى يحصلوا على كوب مياه نظيف لأطفالهم.

الحاج رضوان أبوعبدالله يتحدث عن إهمال الدولة الشديد لهم، وأنهم كانوا ولا يزالون يعتزون بوطنهم كل الاعتزاز، ولكن فى المقابل لم يزرهم مسؤول منذ ثورة 1952 ولا يدخل لهم موظف إلا فى حال تحصيل غرامة أو تحرير محاضر لا علم لهم بها. 

الحاج منصور ابوالشاطر يشير إلى أن اطفال المنطقة الذين يسيرون على الأقدام إلى مدارس القرى المجاورة يمرون وسط دخان القمامة بشكل يومي، وهو أمر لا يمكن تقبله، وهو يطالب الحكومة بنقل مقالب القمامة من جوار بيوتهم وإقامه مجمعات خدمية لهم مثل أي منطقة أخرى. 

الحاج سليمان محمد النمر يشير إلى أنهم حاولوا التواصل مع مسؤولين محليين ونواب سابقين لنقل شكواهم للحكومة ولكن دون جدوى، مما جعلهم يشعرون أنهم مهمشون ولا قيمة لشكواهم وصوتهم الحزين.

أما الحاج عبدالعزيز أبوالعمدة فيرى أن مشكلة المياه يمكن حلها فى أيام بعمل وحدة رفع أمام نجوعهم كما حدث مع القرى المجاورة، ولكن لاتوجد رغبة حقيقية لتنفيذ ذلك، ولا نرى سببا للتعالى فى التعامل مع شكواهم. 

 ما رصدناه فى "نجع العرب" بأبو تشت شمال صحراء قنا شيء مؤسف، وكان يجب على كل المحافظين السابقين أن ينظروا لمواطنين شرفاء لم يحصلوا على أي خدمة من الدولة سواء برصف الطريق أو شبكات صرف أو كهرباء أو مياه أو مدارس أو مستشفيات أو مراكز شباب أو مكتبات أو نوادى , وتقريبا يعيشون بطريقتهم الخاصة وعلى نفقتهم الخاصة وكان مصر قد توقفت لديهم عند عام 1825.