28 - 11 - 2025

هاينان تتحول إلى ورشة العالم للطائرات.. قاعدة صيانة عملاقة تفتح أبواب التعاون مع الشرق الأوسط ومصر

هاينان تتحول إلى ورشة العالم للطائرات..  قاعدة صيانة عملاقة تفتح أبواب التعاون مع الشرق الأوسط ومصر

في ظل اقتراب التشغيل الكامل لميناء هاينان للتجارة الحرة، يواصل الإقليم الصيني الجنوبي تعزيز مكانته كأحد أبرز المراكز الصاعدة عالميًا في صناعة صيانة الطائرات، مستفيدًا من موقعه الجغرافي الاستراتيجي وسياسات الانفتاح الواسعة التي منحتها بكين للمقاطعة ضمن مشروع “الميناء الحر”.

وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية وطنية لدفع قطاع الطيران إلى مستويات أعلى من الكفاءة والجودة، وتعزيز التعاون الدولي مع شركات الطيران الأجنبية، بما يفتح أسواقًا جديدة ويضع هاينان على خارطة المراكز الرائدة في الصيانة الجوية العالمية.

وفي هذا الإطار، قام وفد صحفي بزيارة موسعة إلى قاعدة الصيانة الشاملة للطائرات في مدينة هايكو، حيث قدم المسؤول الصيني لونغ، رئيس إدارة الإدارة المتكاملة وتطوير المشاريع في شركة هايكو لصيانة وهندسة الطائرات المحدودة، شرحًا مفصلًا عن مراحل تطور صناعة الصيانة الجوية في هاينان، ووضعها الراهن، وآفاقها المستقبلية.

وقال لونغ إن صناعة صيانة الطائرات في هاينان شهدت خلال السنوات الماضية تطورًا ملحوظًا جعل القاعدة من أكثر المنشآت ازدحامًا في الصين، حيث بدا ذلك واضحًا عند دخول الوفد إلى حظائر الصيانة المليئة بالطائرات قيد العمل، وهو ما يعكس الحجم الكبير للمهام اليومية التي ينفذها المركز.

وأوضح أن القدرة على جذب هذا الكم من الطائرات يعود إلى عدة عوامل رئيسية.

أولًا، رغم أن هاينان تحتل المرتبة 29 في الصين من حيث المساحة، فإن مطاراتها الثلاثة شهدت في عام 2024 حركة مسافرين بلغت 50 مليون مسافر، لتحتل المرتبة الأولى بين المقاطعات الصينية.

هذا النشاط الكثيف في الحركة الجوية خلق طلبًا هائلًا على خدمات الصيانة، مما أسهم في نمو الصناعة محليًا.

ثانيًا، تستفيد هاينان من موقعها الجغرافي باعتبارها مركزًا يتيح طيرانًا مباشرًا لأكثر من 21 دولة ومنطقة ضمن دائرة طيران مدتها أربع ساعات فقط، وهي دائرة تشمل نصف سكان العالم تقريبًا، بما فيها دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند، فيتنام، سنغافورة، وإندونيسيا، مشيرا إلي أن هذا الموقع يوفر على شركات الطيران وقتًا ثمينًا، إذ أن بقاء الطائرة على الأرض يمثل تكلفة عالية، وبالتالي فإن تقليل زمن الرحلة إلى موقع الصيانة يعدّ ميزة اقتصادية جذابة.

ثالثًا، تستفيد هاينان من حزمة سياسات خاصة ضمن مشروع الميناء الحر، ومنها إمكانية استيراد منصات الصيانة الأجنبية دون رسوم جمركية، وتطبيق سقف ضريبي لا يتجاوز 15% على شركات الصيانة وهو الأقل في الصين، ومنح المقاطعة حقوق النقل الجوي من الدرجة الخامسة والسابعة، والتي تُمنح حصريًا لها، مما يفتح الباب أمام شركات الطيران الأجنبية لتسيير مزيد من الرحلات إليها وبالتالي زيادة الطلب على خدمات الصيانة، بالإضافة إلى سياسة الإعفاء من رسوم الإيداع الجمركي على الطائرات الأجنبية التي تدخل الصين للصيانة، وهي ميزة لا تتوفر إلا في هاينان، وإجراءات دخول وخروج مبسطة للطائرات الأجنبية، مما يقلل زمن الانتظار ويخفض تكلفة التشغيل لشركات الطيران. وأشار لونغ إلى أن هذه العوامل دفعت أعداد الطائرات الأجنبية القادمة للصيانة إلى الارتفاع المستمر.

وأوضح أن بعد إطلاق استراتيجية “البناء البحري للميناء الحر” في عام 2018، قررت حكومة هاينان إنشاء قاعدة صيانة خارجية، وبعد ثلاث سنوات من البناء تم تشغيلها رسميًا في فبراير 2020. 

وكانت القاعدة في بدايتها تمتد على 60–70 مو فقط، لكنها اليوم توسعت إلى 224 مو بمساحة بناء بلغت 148 ألف متر مربع، أي ثلاثة أضعاف الحجم الأولي. 

وتقدم القاعدة خدمات شاملة تشمل الصيانة الثقيلة للطائرات وطلاء الطائرات وصيانة أجزاء الطائرة، إضافة إلى مخزن ضخم للقطع بمساحة 40 ألف متر مربع، ما يجعل القاعدة “مركز صيانة متكامل في محطة واحدة”.

كما تضم القاعدة المجاورة مركزًا لصيانة محركات B787، وهو الوحيد من نوعه في الصين.

أما على مستوى الاعتمادات الدولية، فأكد لونغ أن الشركة حصلت على شهادات صيانة من كوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة وعدد من دول جنوب شرق آسيا، إضافة إلى اعتماد من قطر والأردن هذا العام، الأمر الذي يسمح لها بصيانة طائرات هذه الدول رسميًا.

وقد شهدت القاعدة خلال أكتوبر 2023 استقبال ثلاث طائرات من طراز 777 تابعة للخطوط القطرية لإجراء عمليات الفحص الدقيق، وهي المرة الأولى التي تجري فيها الشركة القطرية أي صيانة لهذا النوع داخل الصين.

وبعد التجربة الإيجابية، أسندت الخطوط القطرية كامل برنامج صيانة أسطولها من طائرات 787 لمدة ثلاث سنوات إلى قاعدة هايكو.

كما تستقبل القاعدة طائرات من طرازات متعددة، منها طائرات مصرية، إضافة إلى طائرة 787 تابعة للملكية الأردنية تخضع حاليًا للفحص الشامل.

وتوسعت القاعدة أيضًا في صيانة المعدات الحساسة مثل مولدات IDG، كما استثمرت خلال العام الجاري في تطوير قدرات صيانة المواد المركبة، نظرًا لارتفاع نسبة استخدامها في الطائرات الحديثة مثل B787 وA350 التي تتجاوز 50–60% من هيكل الطائرة، وتتيح هذه المواد تخفيف الوزن وتحسين كفاءة استهلاك الوقود، ولهذا يشكل هذا المجال مستقبلًا مهمًا في قطاع الصيانة.

وأشار لونغ إلى أن حجم استثمارات المعدات تجاوز 500 مليون يوان، إلا أن سياسات الإعفاء الجمركي في هاينان وفرت للشركة ما يقرب من 80 مليون يوان عند استيراد المعدات.

أما مركز صيانة المحركات فيتبع عملية دقيقة تبدأ بتفكيك المحرك وغسل مكوناته لإزالة الرواسب الناتجة عن التشغيل الطويل، ثم إصلاحها وصقلها، فالفحص، ثم إعادة التجميع واختبار الأداء على منصات متخصصة.

ووفق تصميمات التشغيل، سيصل حجم الإيرادات السنوية لقسم صيانة محركات CNC إلى 3.5 مليار يوان بحلول عام 2028، ليصبح رابع أكبر مركز عالمي في هذا المجال.

وقد أدت سياسات الميناء الحر إلى نمو ضخم في أعمال الصيانة الخارجية خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ تضاعف حجم الصيانة القاعدية ست مرات، وارتفعت نسبة الأعمال الدولية من أقل من 1% إلى نحو 25%، كما أصبحت الصيانة الدولية تمثل نحو نصف عمليات قسم الصيانة الهندسية، وارتفع عدد العملاء الأجانب بنسبة ثلاثة أضعاف، بينما بلغ حجم واردات وصادرات منصة الصيانة في عام 2024 قرابة مليار يوان.

وأكّد لونغ أن كل هذه المكاسب تعود إلى السياسات الاستثنائية للميناء الحر وإلى المعايير الصارمة التي تفرضها هيئة الطيران المدني الصينية على جودة الصيانة.

من جانبه، قال يانغ وينبو، نائب مدير قاعدة صيانة مطار "داشينوا فيفي" التابعة لشركة Xinhai Haihai Technology، والمعروفة أيضًا باسم HNA Technic، إن قاعدة الصيانة الشاملة للطائرات في ميناء هاينان للتجارة الحرة تشهد توسعًا كبيرًا في اعتماد شهادات الصيانة الدولية، وجذب شركات الطيران من الشرق الأوسط وآسيا، ما يعكس مكانتها كمنصة رائدة لتقديم خدمات صيانة عالية الجودة على مستوى عالمي.

جاءت تصريحات يانغ ردًا على سؤال "المشهد"، حول ما إذا كانت هناك خطط أو مفاوضات لفتح تعاون مباشر مع شركات الطيران المصرية أو الجهات المختصة في مصر، والفوائد التي يمكن أن تحصل عليها القاهرة إذا قررت إدخال طائراتها ضمن نطاق الصيانة والإصلاح في هذه القاعدة الحديثة.

وقال يانغ إن التعاون مع شركات الطيران الأجنبية يتزايد باستمرار، وبالتأكيد إذا رغب أي من شركات الطيران المصرية في القدوم إلى هاينان، فسيتمكنون من الاستفادة من جميع السياسات التي ذكرتها سابقًا.

وأضاف، نحن قاعدة مبنية على خبرة واسعة من خلال منصة Hainan Airlines وHainan Holding، وهي منصة ضخمة تمنحنا القدرات والخبرة الكافية لتقديم خدمات عالية الجودة لعملائنا. 

وفي المستقبل، نخطط لتعزيز التعاون مع شركات الطيران الأجنبية والناقلات الجوية لتقديم خدمات مشتركة معهم.

وتابع: "نتلقى حاليًا الكثير من طلبات التعاون من شركات دولية، وإذا أتيحت لنا الفرصة، فنحن بالتأكيد مستعدون للعمل مع الشركات المصرية».

وتؤكد تصريحات يانغ وينبو الدور المتنامي لقاعدة هاينان في دعم شركات الطيران الإقليمية والدولية، وتبرز فرص التعاون الجديدة مع القاهرة، بما يتيح لشركات الطيران المصرية الاستفادة من خبرات صيانة متقدمة، وسياسات مرنة، وكفاءة تشغيلية عالية ضمن قاعدة صيانة متكاملة على أحدث المعايير الدولية.

وتأتي هذه الإنجازات لتؤكد أن قاعدة هاينان الشاملة لصيانة الطائرات ليست مجرد مركز صيانة محلي، بل أصبحت منصة استراتيجية عالمية تجمع بين الخبرة الفنية العالية، والبنية التحتية المتطورة، والسياسات الميسّرة لجذب شركات الطيران الدولية. 

ومع استمرار التوسع في شهادات الصيانة الدولية وتوسيع قاعدة العملاء، تبرز القاعدة كجسر حيوي للتعاون الجوي بين الصين والدول الأخرى، بما في ذلك مصر، ما يفتح آفاقًا واسعة للشركات الأجنبية للاستفادة من تجربة صيانة متكاملة تجمع بين الجودة والكفاءة الاقتصادية، وتعزز موقع هاينان على خريطة الصناعة الجوية العالمية كوجهة رئيسية للصيانة والإصلاح الشامل للطائرات.