من طبيعة الأمور الإنسانية أن لا يخلو تجمع أو مجتمع أو دولة على مدى التاريخ من وجود فساد يتوافق ويتشكل حسب معطيات الزمان والمكان.
ولما كانت الطبيعة البشرية عبارة عن كيان ثنائى يتصارع طوال الوقت بين الجسد والروح (الشر والخير)، كانت الغلبة والتقدم للمجتمعات التى تتمسك بخيرها وتواجه شرها (فسادها) بالقانون الذى يحقق العدالة بين أبناء الوطن بلا تمييز أو استثناء. هنا نرى أغلب الدساتير وجل القوانين تلتزم بهذا التزاما ورقيا نظريا لا علاقة له بتطبيق حقيقى على أرض الواقع. وهنا الإشكالية الحقيقية التى نعيشها الآن نحن وغيرنا من دول المنطقة والعالم. وعلى ذلك نرى هذه الأيام وبمناسبة الاستحقاق الانتخابى للبرلمان بمرحلتيه الأولى والثانية آثار أنفجار ماسورة الفساد بكل أشكاله وتنوع صنوفه المخزية والمخجلة!! مما يجعلنا نؤكد بلا تردد أن منظومة الفساد تتصاعد وتتجذر وتنتشر انتشار النار فى الهشيم. الشئ الذى يمثل خطورة حقيقية على الوطن.
نعم نرى محاولات حثيثة وخجلة لمحاصرة ومحاربة تلك المنظومة الفاسدة. ولكن لا أحد يسمع ولا أحد يرتدع. فهل نقف مكتوفى الأيادى أمام هذا الفساد؟ نعم هو ليس فساد أشخاص فى المقام الأول ولكنه هو فساد تجذر وتربى على أيدى مؤسسات السلطة منذ زمن بل منذ أزمان؟ وكانت البداية تزاوج السلطة مع المال فتمت السيطرة على المجتمع بل على القرار من جانب هذا الزواج غير الشرعى سلطة ومالا وقرارا. وعندما أصبحت الغلبة للمال سار الجميع كقطيع وراء المال غير المشروع نتيجة من خوف الاحتياج. والمواطنة هى :
علاقة قانونية وسياسية واجتماعية بين الفرد والدولة تتضمن الحقوق التى تكفلها الدولة للفرد وواجباته تجاهها. مثل الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية. وتشمل المواطنة أيضا المشاركة فى الحياة العامة والشعور بالانتماء إلى الوطن والولاء له وضرورة احترام القوانين والالتزام بالواجبات الوطنية .
فهل نرى فى الواقع المعاش أى تشابه حقيقى بين هذا الواقع وبين هذا التعريف للمواطنة ؟ عمليا لا مواطنة حقيقية دون تحقيق حد الكفاية الاقتصادية للمواطن حتى يستطيع أن يشعر بآدميته وإنسانيته وانتمائه للوطن . لا مواطنة بدون حق أصيل فى المشاركة فى اتخاذ القرار السياسى، تلك المشاركة التى تتعدد أساليبها بين إبداء الرأى بحرية حتى حرية الاختيار والانتخاب. لا مواطنة بدون القضاء على أسباب ذلك المناخ الطائفى البغيض الذى يهدد بالفعل سلامة الوطن. ولا قضاء على الطائفية بدون تصحيح حقيقى للفكر الدينى الاسلامى والمسيحي الذى تتمسك به المؤسسات الدينية حماية وحفاظا على تواجدها وتواجد رجالها! لا مواطنة بدون تطبيق القانون على الجميع دون استثناء أيا كانت المواقع ومهما تعددت المراكز. لا مواطنة بدون دور حقيقى للتعليم والإعلام ينمى الوعى على أرضية الحوار والنقاش والاختلاف وقبول الرأى الآخر وعلى أرضية أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة. المطلوب كثير وكثير والأهم هو الإحساس والإيمان بالخوف على الوطن وسلامته، باعتبار أنه وطن كل المصريين بالرغم من تغول الفساد الذى لابد من ضرب قواعده الفاسدة بالتطبيق الفورى لمبدأ من أين لك هذا أيها ال....؟ حفظ الله مصر وشعبها العظيم .
--------------------------------
بقلم: جمال أسعد






