23 - 11 - 2025

صفاء فهمي .. الشياكة والحِلم!

صفاء فهمي .. الشياكة والحِلم!

هي للأناقةِ عنوان، وللذّوق والإتيكيت برهان .

ساعدتها نشأتُها في مدينة بنها، بعيدا عن حياة الفقر والعوز بالقرى والأرياف على التحلي بجمال المظهر، ودماثة الخلق، ولين الطبع، وعذوبة الحديث، وكلّها صفات متى توافرت في شخص، كتبت له القبول ببن الناس، وصدق نبينا: (إنّ من أحبكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) .  

كانت المعلّمة صفاء فهمي سرج رائدة من رواد التعليم الابتدائي بقريتنا، فمثّلتْ هي والراحلة نادية علام جناحي طائر العلم المُحلق في فضاء مدرسة إمياي الابتدائية رقم ١ .

كانت المنافسةُ بين صفاء ونادية حامية الوطيس، وهو ما صبّ في النهاية في مصلحة تلاميذهما .

تنافست الرائدتان؛ بفضل ما حباهما الله به من مُقومات المُعلّم الناجح في تفريخ أجيال من النشء، حملوا مشعل التنوير في شتى ربوع البلاد، ونبغوا في شتى الميادين، دون أن يغفلوا فضل هاتين الرائدتين الكبيرتين .

لم تكن صفاء فهمي ـ حفظها الله ـ معلمة نمطية، ممن اعتبرن العمل بالتدريس وسيلة لكسب لقمة (العيش) وحسب، بل كانت معلمة ذات هدف ورسالة، ترنو بناظريها إلي تخريج جيل، يجمع بين العلم والخلق، فعملت بإخلاص، وتحلت بالصبر، وحرصت مع النشء الصغير على التكرار والإعادة لتتحقق الإفادة .

لم يحُل عناء الجسد بينها وبين واجبها المهني، إذ كانت داخل الفصل أشبه بفراشة دائمة الحركة، لا تعرف الجلوس أثناء الحصة - عكس مدرسات اليوم - أو تملُّ من التكرار المرّة تلو المرة؛ ليفهم تلاميذُها، ويحفظوا الدروس عن ظهر قلب .

امتازتْ صفاء فهمي بحِلم وأناة كانا لهما مع تلاميذها مفعول السحر، فبرغم أنّ تعليم الصغار يحتاجُ إلي شدة، وأن يتآزر الثوابُ مع العقاب، إلا أنها لم تلجأ إلي العقاب إلا فيما ندر، وكان حِلمُها ورقتُها، يفعلان مالا تفعله العصا، التي أفرط في استخدامها كثيرٌ من المعلمين، ولم يحققوا ما حققته هي من نجاح .

كانت صفاء فهمي أمَّا قبل أن تكون معلمة، وكان حنوها على التلاميذ خاصة المتفوقين واضحا، وعطاؤها فياضا .

بادلها تلاميذها الصغار حبا بحب، وحرصوا على أداء الواجب على أكمل وجه وأحسن صورة، يدفعهم إلى ذلك غاية وهدف، هو كسب رضا المعلمة والأم صفاء فهمي .

لم تنشغل صفاء فهمي بالتنظير على حساب التطبيق، فكانت قدوة لتلاميذها بالحال والمقال معا، فتعلم منها التلاميذ الشياكة وجمال المنظر، وعرفوا كيف يكون الحوارُ مع الآخرين، والذي لابد أن يتسم بعذوبة المنطق، وانخفاض الصوت، ووضوح المعنى، وكلها ملكات ورثها التلاميذ عن صفاء فهمي .

عرَّفتْ صفاء فهمي تلاميذها معاني الإيثار، والنظافة، وتقليم الأظافر، وترجيل الشعر، والجمال، الذي كانت فيه آية ونموذجا؛ لإيمانها بأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه، وأنه لا يستقيم الظلُّ، إذا كان العود أعوجا.

لم تكن الرائدة صفاء فهمي مُدرسة فصلنا، ورغما عن ذلك، ربطتني بها علاقة وطيدة، إذ كانت ترعى الموهبة، وتبحثُ عنها (بمنكاش)، وتبذل في نصحها وتوجيهها الغالي والنفيس، بل وتحرص على مكافأتها بالمال والحلوى، والبونبون، الذي امتلأت منه جيوبي آنئذ .

حاولت صفاء فهمي أن تضمَّني لفصلها، فوقفتْ لها الرائدة نادية علام ـ رحمها الله ـ بالمرصاد، ولم تقبل التفريط فيّ؛ حرصا على تكافؤ الفصول .

ربطتني بسامح مهدي، ابن الرائدة صفاء فهمي، صداقةٌ وأخوة، أتاحت ليّ التردد علي بيتهم لأنعمَ بتوجيه معلمتي الأثيرة صفاء فهمي، وشرحها المُمتع، وقبل هذا وذاك طعامها اللذيذ، ولا أدري للآن: هل كنتُ أسرعُ الخطى إلي بيت سامح بعد انقضاء اليوم الدراسي من أجل الشرح أم من أجل الطعام والحلوى، والبونبون سيما فؤش ؟

وهنا أستميح القارئ عذرا بأن يترك المعنى في بطن الكاتب !

صفاء فهمي مُعلمة ذات بصمة واضحة، وأمٌ من طراز فريد، وزوجة تقدِّر حق زوجها، الذي دائما ما تدعو له بالرحمة، وتشيد له بالفضل .

قدمت صفاء فهمي الكثير والكثير لتلاميذها، الذين ما فتئوا يعددون مناقبها، ويقدرون فضلها، ويذكرون أيامها الجميلة .

حفظ الله الرائدة صفاء فهمي، رمز الشياكة والحلم .
-----------------------
بقلم: صبري الموجي
* مدير تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

صفاء فهمي .. الشياكة والحِلم!