لا يمكن السكوت والصمت على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المُزري، الذي وصل إليه حال الغالبية العظمى من الصحفيين، وأصبح لا يليق بهم تحت أي ظرف او سبب.
و أمام انعدام كل السبل للحصول على الحد الأدنى للأجور، انفجر منذ عدة اسابيع مضت الزملاء في جريدة "الوفد" ودخلوا في اعتصام مفتوح ، وتدخلت النقابة تضامنًا معهم؛ لتأكيد موقفها الذي طالبت به المؤسسات الصحفية، والمجلس الأعلى للأجور وكل الجهات المعنية بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
وهاهم الزملاء في موقع "البوابة" يلحقون بصحفى الوفد بعد أن تحولت اوضاعهم إلى مآساة بكل معنى الكلمة، ودخل صحفيو البوابة الأسبوع الأول من الاعتصام بمقر عملهم،
كذلك أصبح حال كثير من المؤسسات التى تختفي فيها النار تحت الرماد؛ لتنذر بأنها على شفا الانفجار.
النقابة تحاول القيام بدورها، لكن أوضاع الصحف ليست مهمة النقابة وحدها.. النقابة تتدخل لأنها معنية بالصحفي، ولكن أين الأطراف الأخرى المعنية بالصحف؟ ومٓنْ المسؤول عن تنفيذ القوانين، التي تفرض مجموعة من الحقوق مثل وجود لوائح تحكم العمل داخل هذه المؤسسات، ولوائح أجور عادية، ومنظومة علاج وصناديق بطالة، وآلية تعيين تُلزم هذه المؤسسات بتعيين المتدربين بها، وضرورة تشكيل لجان نقابية بالانتخاب تمثل العاملين بهذه المؤسسات وتدافع عن حقوقهم .
وهل يعقل في هذه الظروف الصعبة والخانقة أن نجد هذا الصمت المُطبق في مواجهة أزمة مٓنْ يعملون لمدد تجاوزت 15 عامًا دون تعيين، وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي تجاوزت حد الخطر؟ فهل نريد أن ندفع هؤلاء إلى الانفجار أو الانتحار؟! ناهيك عن خطورة اغلاق باب تعيين اجيال جديدة في الصحف القومية وتداعياته على المهنة بل وعلي النقابة .
مٓنْ الذي ينصح باستمرار هذه الأوضاع الخطرة، بل ويشارك في تأجيجها؟، ومٓنْ الذي يوجه هذه الطعنات، التي تشكك في جدوى أعمال لجان تطوير الإعلام؟، ومٓنْ الذي يصدق الحكومة وهي التي شاركت في تفاقم بعض هذه الأوضاع باليمين، في الوقت الذي تشكل فيه -بناءً على تعليمات الرئيس - لجان التطوير بالشمال؟!
ومٓنْ الذي يمنع الأخ العزيز الوزير خالد عبد العزيز أن يبادر، وأن يتدخل بحكم صلاحياته في القانون لنزع فتيل هذه الأزمات؟ والنصيحة إذا كانت هناك أطراف أخرى تشارك في إدارة هذا الملف، وتساهم في "تفنيط الأوراق"، أو يهمها أمر هذا البلد، هي الانطلاق من التشخيص الصحيح بخطورة الوضع واستحالة استمراره و وضع خطة علاج تبدأ من الآن.
فالصحفي لا يحصل على الحد الأدنى من الأجر، أو متطلبات الحياة عملًا أو معاشًا، وبدل التدريب الذي أصبح مسكنًا لمريض على شفا الموت يتم التلاعب بورقته، ولا يحصل عليه العشرات من الصحفيين بذريعة أو أخرى، وعلاج الصحفي أصبح ترفًا أو معجزة تنوء بعبئه النقابة قدر ما تستطيع، وكثير من الزملاء الذين أعرفهم أصبحوا لا يخجلون من القول إنهم لا يبرحون منازلهم إلا للضرورة؛ توفيرًا للنفقات، كما أصبح تدبير مصاريف مدارس أولادهم يحتاج، معجزة وغير ذلك الكثير والكثير.. !!
التدخل لا بد أن يكون عاجلًا، والبدء بوضع اجر عادل وليس فقط المطالبة بالحد الأدنى، إلى جانب مضاعفة قيمة البدل لكل الصحفيين بلا استثناء، وكذلك قيمة المعاشات لتلبي الحد الأدنى من احتياجات الحياة، وأرجو أن نكف عن تحويل هذه الحقوق إلى لعبة يستخدمها البعض لسبب أو لآخر.
لقد تجاهلت كل الأطراف قراءة نتائج الاستبيان، الذي خرج عن المؤتمر العام السادس للصحفيين، التي تحولت فيها أوجاع الصحفيين إلى صراخ وآهات، وتم وضع توصيات، ذهبت إلى الجميع في أدراج الحفظ والصون، وهاهي الزميلة الكبيرة الاستاذة سناء البيسي تشير بحب وبلهفة على المهنة والتحول في اوضاع الصحفيين إلى امر هذا الاستبيان في مقالها اليوم بالأهرام وهي تكتب سلسلة مقالات تحت عنوان السلطة الرابعة.
هذه دعوة للإنقاذ والتوقف عن الألاعيب الصغيرة، ودعونا لا نتغافل عن بوادر حريق يلوح في الأفق تبدو مقدماته مٓنْ مستصغر الشرر هنا وهناك، وفي مؤسسات وصحف كان جلّ همها الدفاع عن أمن الوطن، وقضايا المواطن.
-----------------------------------
بقلم: يحيى قلاش
* نقيب الصحفيين الأسبق






