ربما لا تَقّدِمْ الهيئة الوطنية للإنتخابات على الاستقالة، لأسباب يُمكِنْ تَفَهُمهَا، منها ما يتعلق بالإجراءات وتشكيل جديد ربما لا يسمح الوقت به، نظرا للجدول الزمنى للإستحقاقات التشريعية، التي تجر بعضها جرا، في ترتيب إدارى يستمد نظامه من الدستور، ومنها ما يتعلق بما يمكن أن نطلق عليه تجاوزا "الدس السياسي" حيث اعتاد "حراس "الدولة العميقة وكهنتها، إيهام الحاكم أن هَيبَتِهِ من هيبة مؤسسات الدولة، وأن الأخيرة "بقرة مقدسة" لا يجوز التشكيك في استقامتها، ونزاهتها وحيادها.
ربما لتلك العوامل، قد نلمس عذرا جوهريا في الموقف المتوقع من الهيئة بالاستمرار واستكمال المرحلة الأخيرة من الانتخابات.. لكن هذا المبرر لا يعفيه من تقديم استقالته بمجرد الانتهاء من الاستحقاقات الانتخابية، وأيضا (الأهم) أن تتم محاسبته سياسيا، من المجتمع المدني بمختلف تنوعاته، القانونية، السياسية، والاجتماعية.
الهيئة الوطنية للإنتخابات في مأزق أخلاقي وسياسى، وإلى أن يعينها الله على الخروج من هذا المأزق، عليها أن تظهر حسن النوايا خلال المرحلة الثانية والأخيرة من الانتخابات، بأن تَحرِمْ المتورطين في جريمة "شراء الأصوات" من الترشح في الإعادة (إن لم تحلهم إلى محكمة الجنايات) خصوصا وأن قرار الهيئة بإعادة التصويت في 19 دائرة من مختلف المحافظات، تأكيد بالغ على صحة وقائع الرشى الانتخابية، التي يجرمها القانون، وتم ارتكابها في عديد من محافظات الدلتا والصعيد.. وأن يشمل قرار المنع والحرمان أسماء الراشين ومن ساعدهم ومولهم، ليعاقبهم القانون، إذا ما رأى ما يستوجب العقاب، وتعاقبهم النخبة، ذات العلاقة، بعصا السياسة، واعتبارهم من المنبوذين سياسيا، ويعاقبهم الشارع المصري بتداول أسمائهم داخل البيوت والمقاهي والنوادي وغيره باعتبارهم "حرامية".
أما إذا سمحت الهيئة لهؤلاء بإعادة ترشحهم، تحت دعوى التحقيق الذي لم ينته بعد، وأن العملية الانتخابية على وشك الانتهاء بما يتماشى مع الجداول الزمنية للدولة" فإن الأمر لن يعدو أكثر من مسرحية، وأن النوايا الحقيقية من "تسريح" الراشين والسماسرة في دوائر الانتخابات، كان جمع أكبر حصيلة ممكنة من التبرعات والصدقات "السياسية" حتى لو أدى ذلك إلى تحويل صناديق الاقتراع إلى "مبولة" يخرج فيها رأس المال الفاسد "حاجته" تحت أعين وبصر الجميع، ما يجعل روائح "اليوريا" تفوح في سماء السياسة، وتفضح وتكشف، ولا مجال للتوارى والهروب بأفعال، الصمت والسكوت والتغاضي، وكأن الهيئة الموقرة "من بنها"، على قولة ولاد البلد.
فضلا عن كونه موقف يؤكد تحدي الرأي العام، بسوءة الصمت والسكوت على هؤلاء الذين ارتكبوا جريمة الرشوة الانتخابية، ولا يخجلوا من إعادة ترشحهم مرة ثانية.
إذا لم تقدم الهيئة الموقرة، ما يثبت صدق وحسن نواياها، في ما هو قادم من تصويت انتخابي في محافظة القاهرة الكبرى، وتعاقب من ارتكب مخالفات يُحرٍمها الشرع ويُجرِمها القانون، وتزدريها الأعراف الأصيلة للمصريين، وترفضها الأخلاق وتحتقرها الكرامة الوطنية، التي تم ارتكابها في دوائر الدلتا والصعيد بالمرحلة السابقة، فإن تكرار الموقف الساكت، حتما يفتح الباب أمام تسريبات وحوارات داخل مجتمعات النخب في مصر، حول تعديل دستوري في المواد المتعلقة بانتخاب رئبيس الجمهورية في حاجة إلى "نحات" ماهر، يُشكِلْ البرلمان المختص بالتعديلات الدستورية، وفقا لما سيتم الاستقرار عليه داخل "الدولة العميقة".
الهيئة الموقرة: أكملوا ما جئتم من أجله،واستمروا في مواقعكم كما تريدون، لكن لا تهينوا العدالة كما تشاؤون، فأنتم أولى منا بهيبتها وكرامتها.. سامحكم الله.
----------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم






