20 - 11 - 2025

الصندوق ليس هو الحل

الصندوق ليس هو الحل

لاشك أن طلب الرئيس السيسى للهيئة العليا للانتخابات بفحص الطعون لإحقاق الحق كان عامل تهدئة لمشاعر الجماهير الغاضبة من تلك الممارسات غير القانونية التى صاحبت الجولة الأولى من انتخابات محافظات المرحلة الأولى.

ذلك الطلب الذى تمخض عن إلغاء تسعة عشر دائرة انتخابية إلغاء كاملا .  

وهذا الطلب وذلك الإلغاء يدخل فى إطار الأجراءات والالتزامات الإدارية التى يجب أن تراعى فى العملية الانتخابية. وذلك غير الجانب السياسى وهو الأهم ليس فى العملية الانتخابية ولكن للممارسة الديمقراطية السليمة التى كنا ولا زلنا وسنظل ننشدها آملين أن نمارسها فعليا على أرض الواقع. فمع أهمية تلك الإجراءات، يبقى الأهم هو أن يمارس الناخب إرادته الحرة فى اختيار من يريد. بل أهم الأهم هو تهيئة ذلك المناخ وتلك الممارسة والمشاركة السياسية الحقيقية والصحيحة للاختيار السياسى الصحيح الذى يحقق المصلحة الوطنية للوطن والمواطن. فهل لدينا الحياة والمشاركة السياسية الحقيقية والصحيحة بالفعل؟

بداية فلا ديمقراطية بدون تعددية ولا تعددية بدون أحزاب. أى أن لا ديمقراطية بغير أحزاب سياسية حقيقية تعبر عن الجماهير وتسعى لتحقيق مطالبها وحل مشاكلها.  فالجماهير هى العامل الأهم والفعلى فى تشكيل الأحزاب. ذلك غير الأحزاب المصنوعة والمصنعة بأمر السلطة وبإشرافها! هنا تفقد الأحزاب المصنوعة قيمتها الحزبية ويسقط عنها دورها السياسى الفعلى وتتحول إلى جمعيات أهلية لا علاقة لها بالسياسة (كما نرى الآن). هنا تكون النتيجة الطبيعية لغياب أحزاب سياسية حقيقية هى غياب الرؤية والوعى السياسى لدى المواطن، فتتحول العلاقة الحزبية بين الأحزاب والمواطن إلى علاقة مصلحة بدلا من أن تكون علاقة سياسية تبنى على أساس ايدولوجى وسياسى يحكمها برامج حزبية وسياسية تميز كل حزب عن الحزب الاخر حتى يكون هناك اختيار على أرضية سياسية .

وعندما يكون الاختيار الانتخابى بعيدا عن الأرضية السياسية الحقيقية تكون الوصايات الدينية والطائفية والقبلية والمناطقية والسياسية والاقتصادية هى الأساس فى الاختيار. هنا تتحول العملية الانتخابية من عملية سياسية إلى مسرحية معد لها السيناريو والإخراج للوصول إلى أهداف شخصية وتحقيق مصالح ذاتية. فيكون الاختيار هنا ليس خاضعا لممارسة حقيقية للناخب بما يريد ولكن سيكون الاختيار نتيجة لوصاية تفرض نفسها سواء عن طريق الانتماءات الدينية والطائفية والقبلية المتخلفة التى لا علاقة لها بأى اختيار سياسى. ناهيك عن تلك الوصايات الاقتصادية التى ترتبط بلقمة العيش للمواطن والتى لا تترك له أى حرية اختيار غير ما يختار صاحب السطوة الاقتصادية عليه!. ولذا نرى أن العملية الانتخابية تتلخص الآن فى  سعى الأحزاب الورقية المسنودة من الحكومة فى إلزام بعض أطراف المؤسسات الدينية والجمعيات الأهلية فى الضغط على تابعيهم بالالتزام بانتخاب ممثلى تلك الأحزاب التى تم ترشيحها عن طريق دفع الإتاوات الانتخابية المليونية لهذه الأحزاب فى الوقت الذى لا علاقة لهم بالسياسة. أما المستقلين فهؤلاء هم من يمتلكون الملايين التى تمكنهم من خوض تلك المعركة مستندين على تلك الوصايات المتعددة التى أصبحت كارت المرور لكل من هب ودب للوصول إلى البرلمان الذى هو أعلى المواقع السياسية وهم لا يفرقون بين الألف من كوز الذرة !! الصندوق هنا هو أداة شكلية للعملية الانتخابية سواء كانت تعبر عن اختيار حر بلا وصاية للناخب، أو اختيار مدفوع بوصايات متعددة لاعلاقة لها بسياسة أو وطن أو مواطن !!

وهذا يعنى أنه بدون تحرير الناخب من أى وصاية فلا حرية ولا اختيار حقيقى ولا ممارسة سياسية فعلية، ولكن هى انتخابات مهندسة وممسرحة ومجهزة ومعلنة نتائجها قبل فتح الستارة. فهل بعد ذلك ننتظر أى نوع من المصداقية التى هى حجر الأساس لبناء أى نظام سياسى؟ نريد حرية رغيف الخبز كضمانة أساسية لحرية تذكرة الانتخاب. نريد صندوقا يعبر بشفافية عن حرية الاختيار للناخب بلا وصاية. نريد وطن بلا فساد ولا فاسدين حتى يستطيع كل مواطن الحصول على حقه فى وطنه، وطن كل المصريين . حفظ الله مصر وشعبها العظيم .
-----------------------------------
بقلم: جمال أسعد


مقالات اخرى للكاتب

الصندوق ليس هو الحل