17 - 11 - 2025

مجلس لوردات مصر

مجلس لوردات مصر

مما لا تخطئه العيون ولا الأفهام أن مجلس النواب المصرى المرتقب أقرب إلى (مجلس أعيان) منه إلى (مجلس نواب)، فلو لحظت بطرف بصرك لافتات الطرق، ولوحات الشوارع لعلمت من قبل أن تُعلَن نتائجه أنه (مجلس نواب عن كبار الأسر المصرية)! فهذا المرشح هو العمدة فلان عن أسرة كذا، وهذا السيد فلان مرشحًا عن قبيلة كذا، وفلان بيك مرشحًا عن بيت كذا، كلنا نعرفهم جميعًا ببيوتهم ومناصبهم وألقابهم، فهل أنشىء المجلس ليكون (بيت الكبار)؟!

إننى فى مقالى هذا لا أتوجه إليهم بالقول ولا باللوم، فليس من عادة البشر أن يجدوا مغانم فيردوها، أو تلوح لهم الفرصة فيفوتوها زهدًا وورعًا، لكن القول والعتب هنا لرجال الظل الذين لهم الرأى الفصل فى هذه الانتخابات، فهؤلاء أقول لهم:

حقًّا إن مجلس النواب إذا كان بصوت واحد، ومن لون واحد سيكون موافقًا طائعًا للحكومة فيما تتجه إليه إرادتها، سواء أكان هذا فيه منفعة المواطن أو غير ذلك، وهذا لا شك فى ظاهره أكثر راحة للحكومة من النائب المشاكس المشاغب، كثير المُساءلات والاستجوابات (ووجع الدماغ)، لكن الأمر  المتغافَل عنه أن وجود نواب من عامة الشعب، ينوبون عن عامة الشعب، وينطقون بشكاوى ومطالب إخوانهم من عامة الشعب، ولا يسنون من التشريعات إلا ما ينفع أهلهم من عامة الشعب، أقول إن هؤلاء (المشاكسين) هم أكثر نفعًا لاستقرار الدولة من نواب (الموافقات)، فالدولة هى الأحوج إلى صوت عامة الشعب فى المجلس؛ للاستماع إليهم، ومعرفة شكاواهم، ومطالبهم وأخذها بعين الاعتبار حين اتخاذ قرار، أو سن قانون، وإن لم تأخذ الحكومة ذلك بعين الاعتبار، فيكفى أن يسمع الرجل الشعبى أو القروى الريفى صوتًا ينوب عنه عند حكومته، فيجد فى ذلك (تنفيسًا) لما يريد أن يصرخ به، فيبرد حنقه، ويسكن غضبه ولو قليلًا إلى حين، والمثل منا قريب برجاله ووقائعه، لقد جاء المهندس أحمد عز فى مجلس ٢٠١٠ بنواب (موافقة) من لون واحد، وقد خلا المجلس من صوت ينوب عن هؤلاء العامة، فذهبوا فصنعوا مجلسًا بديلًا فى ميدان التحرير فى يناير ٢٠١١ وكان ما كان.

وأنا أرى أن مُرشحى الأُسر والقبليات والعصبيات والوجاهات هؤلاء قد حكموا على مجلس نواب ٢٠٢٦ أن يكون مجلس (عُمَد وأعيان) من قبل أن يكتمل انتخابه، أو نعلم أسماء نوابه!

ولعل سائلًا أن يجادل فيقول: وماذا على (العُمد والأعيان) أن ينوبوا عن دوائرهم؟! أليسوا مواطنين مصريين؟! فأقول: هم مواطنون مصريون لا ينازعهم فى ذلك أحد، لكن كيف لأحدهم أن ينطق بشكوى أو مظلمة لا يحسها، ولم يختبرها إلا بالسماع؟! كيف أكلفه ما هو خارج طبعه؟! وكيف أكلفه أن يكون رسولًا عن ناس قد باعدت بينه وبينهم الطبقات والدرجات؟! إن هؤلاء (العُمد والأعيان) قد رأينا عملهم فى المجلس المنقضية ولايته ٢٠٢٠ / ٢٠٢٥ فكانوا دون قدر الأمانة التى علقت فى رقابهم، وماذا يضير أحدهم فى أملاكه أو وجاهته إذا غلا سعر، أو زيدت ضريبة، أو اقتطعت القروض كذا وكذا من الناتج المحلى؟! إن أعمالهم لا تتعطل لغلاء وقود، ولا تنقص ثرواتهم بزيادة ضريبة أو رسوم، فكيف نريدهم أن يتكلموا بلسان عامة الناس، أو ينطقوا بشكواهم؟! سأضرب لك مثلًا: لو أن نائبًا يريد رخصة من وزارة التعليم لبعض شركائه لإنشاء مدرسة دولية ليتكسب منها، هل كنت ترجو أن يستجوب يومًا وزير التعليم؟! ولو أن نائبًا يطمع فى قطعة أرض يخصصها المحافظ لبعض أبنائه أو أقربائه، هل كنت تأمل أن هذا النائب يسائل المحافظ عن تقصيره ؟! وكيف تتوقع أن يطالب نائبٌ وزيرَ الداخلية بإصلاح كذا أو كذا وهو يرجو توصية أو تزكية منه أو ممن دونه ليلتحق ابنه بكلية الشرطة؟!

إننى أسأل صادقًا ولست هازلًا ولا ساخرًا: إن كان هؤلاء (العُمد والأعيان) إحدى ضرورات المجلس، فلماذا لا تكون لمجلس النواب غرفتان، إحداهما تخصص لهم، وتسمى مجلس اللوردات أقصد (مجلس الأعيان) والأخرى لعامة الشعب وتسمى (مجلس العموم)؟! فيتكلم اللوردات (نواب الأعيان) فى الأولى بما يهمهم، ويتحدث (نواب العموم) فى الثانية فى شؤون عامة الشعب ممن ليسوا من الأعيان ولا العمد ولا كبار الموظفين ولا الأثرياء، فإن مصلحة الدولة ومصلحة المواطن تقتضى تذليل السُّبل والقوانين أمام نواب صادقين من عامة الناس يتكلمون بلسان عامة الناس فى مجلس الناس، والله ولى التوفيق.
------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

مجلس لوردات مصر