فى العيد الثمانين لمنظمة التربية والثقافة والعلوم والعيد الثلاثين للتسامح العالمى بها
منذ ثمانين عاماً ، وتحديداً فى 16 نوفمبر عام 1945م تأسست منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، ومنذ ثلاثين عاماً وفى 16 نوفمبر ايضاً عام 1995 م بدأت هذه المنظمة تحتفل باليوم العالمى للتسامح ، وفى السادس من اكتوبر الماضى فاز الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والأثار الأسبق بمنصب مدير عام المنظمة بعد حصوله على ٥٥ صوتاً من إجمالي ٥٧ صوتاً أو عضواً فى المجلس التنفيذي للمنظمة ، وفى يوم الثلاثاء الماضى 11 نوفمبر 2025 اقيم حفل تنصيب سيادته بعد حصوله على172 صوتا من إجمالي 174 صوتا فى المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثالثة والأربعين بمدينة "سمرقند" بــــ " أوزبكستان"، وفيها أدى سيادته القسم ليتسلم مهام منصبه الجديد امس السبت 15نوفمبر ولمدة أربع سنوات .
واليونسكو هى منظمة تابعة لهيئة الأمم المتحدة ، ومقرها باريس بفرنسا وتهدف إلى المساهمة فى السلام والأمن فى العالم ، وتعزيز الاحترام للعدالة وحقوق الإنسان، وحماية وصون موقع التراث العالمى الثقافى والطبيعى .
ورغم أن تلك الأهداف لم تتبلور كلها دفعة واحدة عند التأسيس بل مرت بأكثر من مرحلة تطويرية ؛ فإننا لا نبالغ إذا قلنا أن بعضها بدأ فى مرحلة ماقبل التأسيس (ما قبل عام 1945م) مع نشأة عصبة الامم، وانشاء اللجنة الدولية للتعاون الفكرى "ICIC" عام 1922م ، ثم انشاء المؤسسة الدولية للتعاون الفكرى "IIIC" عام 1925م . ثم جاءت مرحلة أخرى وهى مرحلة التأسيس والتى بدأت فى نوفمبر 1945م بالتوقيع على الميثاق التأسيسى لليونسكو ، والذى بدأ تنفيذه فعلياً فى نوفمبر 1946م بعد توقيع 20 دولة عليه . وهنا بدأت مرحلة التوسع والتطوير والتى امتدت حتى عام 1980م وشهدت توسيع نطاق عمل اليونسكو ، وإطلاق وتنفيذ العديد من البرامج والمبادرات ومنها مبادرة أو اتفاقية التراث العالمى عام 1972م لحماية التراث الثقافى والطبيعى العالمى وإنشاء قائمة المواقع ذات القيمة الاستثنائية، ومنها كذلك مبادرات حماية الممتلكات الثقافية من خلال العديد من التوصيات والمعايير التى وضعت لذلك، اما المرحلة الحديثة والتى بدأت من عام 1980م حتى وقتنا الحاضر ، ففيها استمرت اليونسكو فى تطوير اعمالها لمواكبة التحديات العالمية الحديثة ؛ فأصبحت على سبيل المثال تلعب دوراً رئيسياً فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة مثل الاهتمام بـــ "التعليم الجيد" ومستقبل التربية والتعليم، كما أصبحت تلعب دوراً مهماً فى مواجهة التحديات الصحية والتعامل مع قضايا الذكاء الاصطناعى والمعلومات وحماية البيئة والتركيز على قضايا المساواة بين الجنسين ... وغيرها .
كانت مصر من اوائل الدول التى صدقت على ميثاق منظمة اليونسكو مع 20 دولة آخرى منذ عام 1946م . وكان مكتب القاهرة كان من اوائل المكاتب الميدانية للمنظمة منذ انشائه عام 1947م ، وهو يعمل حالياً على مستوى غالبية الدول العربية فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والتربية والثقافة والاتصال .
وخلال الثمانين عاماً عملت اليونسكو على صون مواقع التراث العالمى الثقافية والطبيعية فى مصر من خلال برامج متعددة، كما سجلت فى قائمتها التراث غير المادى مثل "السيرة الهلالية" ورياضة التحطيب.. وغيرها حتى باتت نماذج التعاون والعلاقات بين مصر واليونسكو وطيدة وتشكل جزءاً لا يتجزأ من تاريخهما، ومن أمثلة ذلك التعاون الحملة الدولية لانقاذ آثار النوبة 1959 م، والحملة الدولية لانشاء متحفى القاهرة – اسوان ، وانشاء مركز التوثيق و الاعلام باكاديمية البحث العلمى، ومركز التوثيق والمعلومات التربوية بوزارة التربية و التعليم، واصدار الموسوعة الأفريقية التى تقدم عرضاً تاريخياً لنشاط القارة الأفريقية فى مجالات الحياة المختلفة، وكذلك اطلاق برنامج شبكة كراسى اليونسكو وتوأمة الجامعات والذى يوفر فرصاً للتدريب والبحث المتخصص، وايضاً إطلاق حملة "متحدون مع التراث" في 13 مايو 2015 من مقر متحف الفن الإسلامي في القاهرة والذى ساهمت في إعادة تأهيله، كما شاركت مصر فى إعداد الاتفاقية الدولية لحماية التراث غير المادى مثل : العادات والتقاليد وأشكال التعبير الشفهي.. وغيرها .
وفي إطار نشاطات منظمة اليونسكو من أجل السلام والأمن العالميين وعقب إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلانًا بشأن التسامح عام 1993م قررت المنظمة فى عام 1995 أن يكون يوم 16 نوفمبر من كل عام يومًا دوليًا للتسامح ؛ وذلك على أثر ما رأته من "الحاجة الملحة" لبناء ثقافة من التسامح تساهم في تعزيز السلام العالمي في الوقت الذي كان العالم فيه يشهد تزايدًا في ظاهرة التنوع الثقافي والديني .
هكذا جاء العيد الثمانين لتلك المنظمة العريقة، والعيد الثلاثين لليوم العالمى للتسامح بها ليشهدا معاً وفى يوم واحد على تنصيب الدكتور العنانى صاحب الخبرة الواسعة في إدارة ملفات الثقافة والتراث على المستوى الوطني والدولي بما يمثله هذا التنصيب، وذلك الفوز من إنجاز وطني جديد يُضاف إلى رصيد مصر من النجاحات الدولية، ويعكس ثقة المجتمع الدولي في الكفاءات المصرية وقدرتها على الإسهام في قيادة المؤسسات الأممية المعنية بالتعليم والثقافة والعلوم، وهكذا جاء هذان العيدان مع فى هذا العام بالتحديد بــ "النكهة المصرية " .
أجمل التهانى لمصرنا الحبيبة وللمصريين جميعاً قيادة وشعباً على هذا الفوز المستحق، والذى سيلعب من خلاله الدكتور العنانى دوراً محورياً في إعادة تشكيل مسارات المنظمة خلال الأربع سنوات القادمة التى سيقود خلالها المنظمة نحو تعزيز الحوار الثقافي وحماية التراث ودعم التعليم والبحث العلمي على مستوى العالم .
-------------------------------------
بقلم: د. مصطفى يونس احمد






