إلى كل من يستهين بتراثه وهويته، وإلى من يظن أن الملابس مجرد أقمشة بلا معنى:
ليست الملابس مجرد وسيلة لتغطية الجسد، بل أداة نفسية تعكس الهوية والقيم والانتماء الاجتماعي. ما نرتديه يؤثر على الطريقة التي ندرك بها أنفسنا، وكيف ينظر إلينا الآخرون، ويشكل مواقفنا وسلوكياتنا اليومية.
تشير الأبحاث في علم النفس إلى مفهوم "الإدراك المرتبط بالملابس" (Enclothed Cognition)، الذي يوضّح كيف يمكن للملابس أن تغير حالاتنا العقلية والنفسية. على سبيل المثال، ارتداء زي معين مرتبط بالجدية أو السلطة، مثل المعاطف البيضاء أو الملابس الرسمية، يعزز التركيز والثقة بالنفس، ويحفّز السلوك بما يتوافق مع الرمزية المصاحبة للزي.
في السياق الثقافي والنفسي الاجتماعى، يمكن النظر إلى الملابس التقليدية، مثل الجلابية في مصر ، كأداة لتعزيز الانتماء والهوية. الرجل الذي يرتدي الجلابية لا يتلبس قماشًا فقط، بل يُعبّر عن ارتباطه بثقافته ومجتمعه وقيم العمل والشرف. هذا يرتبط بما يوضحه علم النفس الاجتماعي من أن الملابس تؤثر على الإدراك الذاتي، فالفرد يتصرف وفق ما يعكسه زيّه من رمزية ومعنى.
حتى في الحياة اليومية، تظهر هذه الظاهرة بوضوح: الملابس المنظمة والنظيفة تزيد من شعور الفرد بالكفاءة والطاقة، بينما الملابس غير المرتبة قد تقلل من النشاط النفسي وتضعف الثقة بالنفس. بذلك، يصبح الزي ليس مجرد أداة للتغطية أو للموضة، بل عامل نفسي قوي يعيد تشكيل الهوية ويعزز الانتماء.
الملابس، إذًا، هي أكثر من أقمشة وألوان، فهي وسيلة نفسية للتعبير عن الذات، وتعزيز القيم الشخصية، وترسيخ الانتماء الثقافي. وعند فهم تأثيرها النفسي، ندرك أن ما نرتديه لا يغيّر مظهرنا فحسب، بل يحدّد أيضًا كيف نشعر، وكيف نتصرف، وكيف يرانا العالم من حولنا.
--------------------------------------
بقلم: د. عبدالمريد عبدالجابر
* أستاذ علم النفس بجامعة الإمام سعود






