كم فى مصر من المضحكات المبكيات، أول هذه المضحكات التجربة الحزبية والتى أعقبت ثورة 1952، رغم إيماني العميق بأهدافها النبيلة وانتمائي الأيدولوجى والفكرى وحتى الأخلاقي لها ولمن قام بها، إلا أن من أهم السلبيات التى ظهرت عقب هذه الثورة كانت هى القضاء على الأحزاب السياسية، وحتى عندما جاء الرئيس السادات وقرر أن يعيد المنابر السياسية وأعقبها بأحزاب كانت وما زالت صنيعة الحكام ولم تكن يوما ملتقى رغبات الشعب أو من ينتمى إليها.
هى أحزاب مشوهة ومضحكة بمعنى الكلمة وتسببت فى ضحك العالم علينا طوال الـ 50 سنة الأخيرة، أحزاب يصنعها من يصنعها ويعين قادتها ويضع أهدافها والأطرف والأغبى من ذلك أن بعض هذه الأحزاب تنتمى شكلا للمعارضة ولها مقررات صرف من الحكومة والتى تعارض هذه الـحزاب سياستها من الأساس.
نسخة رديئة أخرى ظهرت مؤخرا من هذه الأحزاب الكرتونية التي وصلت إلى 94 حزبا سياسيا، ولا أستطيع أنا المهتم بالعمل السياسى والإعلامي أن أحصى منها 10 أحزاب فقط.
بات الحصول على ترشيح الحزب على احد المقاعد مزادا مفتوحا وعلنيا يراقبه الجميع فى الداخل والخارج، ظنا من المتهافتين أنه صك النجاح لهم، وفى هذه الحالة لا يعلم من يفعل ذلك أنه يسيء للوطن من الأساس ويجعلنا أضحوكة العالم.
مصر التى علمت نصف الكرة الأرضية معنى السياسة والبرلمان والأحزاب منذ عهد الخديوى إسماعيل قبل 168 عاما تقريبا ومنحت حق التصويت للمرأه قبل 111 دوله فى العالم، بات الانتماء الحزبى فيها لمن يدفع أكثر.
ليس هذه هو المهم ولكن المهم تدخل الجهات الحاكمة فى هذه الانتخابات "والمفترض أنها محايدة" لصالح مرشحى أحزاب بعينها وهنا لنا وقفة.
فالتدخل والضغط والمراوغة ومغازلة الناخب من أجل التصويت لمرشح هذه الأحزاب هو ببساطة اعتراف ضمنى من هذه الجهات أن مرشحيها ضعاف الامكانيات وغير مقنعين وهنا يبقى السؤال: لماذا تم اختيارهم؟
إن التضييق على منافسين بشدة هو أيضا اعتراف ضمنى بأنهم هم الأقوياء والمقنعون للمواطن فى الشارع، فلماذا لم تختارهم من البداية.
لا توجد ديمقراطية فى العالم تتوعد مواطنا إن لم يختر من تحبه وتهواه وتستخف دمه وترى أنه المخلص للبشرية من أوجاعها ستعاقبه وبشدة، ليست هذه هى الديمقراطية، هذه هى المهلبية بامتياز.
ما حدث فى مصر منذ 30 يونية أعاد وجهها الجميل أمام العالم وأعاد حضارتها وبنيتها الأساسية، وجعل زعامتها مثار حديث العالم كله، لكن ما تشهده العملية الانتخابية الحالية والسابقة لن ينساه الزمن وسيقف أمامها كثيرا وكثيرا.
وليعلم الجميع أن "الكرتونة" لا تصنع أوطانا، وأن الوعيد والتهديد لايصنع أجيالا بل يصنع تبولا لا إراديا، وعلى الجميع أن يقرر لمن يمنح صوته ولمن يصنع مستقبله، وستكتب شهادتهم ويسألون.
--------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ






