أعادني افتتاح المتحف المصري الكبير في أحضان منطقة الأهرامات بعد 33 عاماً من قرار تخصيص أرض المتحف بقرار جمهوري في 12 نوفمبر 1992، بإجمالي يزيد عن 93 فداناً، وتلاه قرار آخر في 10 يوليو 2024 بإضافة 1.83 فدان، للمتحف، أعادني كل هذا لتاريخ علاقة خاصة تربط سكان هذه المنطقة بالأهرامات وأبو الهول، والمنطقة الأثرية بالجيزة، والمتحف لاحقاً.
وعن خصوصية علاقة المقيمين والسكان بمنطقة الأهرامات، أقول إنه وعلى غرار أغنية فيروز الشهيرة "نحنا والقمر جيران"، فنحن سكان المناطق المحيطة بالأهرامات، وأضيف إليها المتحف، نقول "نحنا والأهرامات والمتحف جيران".
وشاءت لي الأقدار قبل أكثر من نصف قرن أن نكون جيران الأهرامات وأبو الهول والمنطقة الأثرية بالأهرامات، واضيف لها المتحف المصري الكبير، ولهذا نردد كلمات أغنية فيروز الأشهر، بطريقتنا " نحنا والهرم والمتحف جيران.. بيته خلف تلالنا.. "بيطل" من قبالنا.. يسمع الألحان.. نحنا والهرم والمتحف جيران.. عارف مواعيدنا.. وتارك بقرميدنا (تعني القرميد) .. أجمل الألوان ... وياما سهرنا معه.. بليل الهنا مع النهدات .. وياما على مطلعه (على سفح الهرم) ... شرحنا الهوى غوى حكايات.. نحنا والقمر جيران.. لما طلت "الأهرامات والمتحف) و"زارونا".. ع قناطر دارنا.. رشرش المرجان".
أتذكر ونحن صغاراً، كنا نتباهى أمام أصدقائنا أننا نرى الأهرامات من فوق سطوح بيوتنا ومساكننا، ونراها من أول شارع الهرم، ونحن قادمون من اتجاه ميدان الجيزة، عندما كانت الشارع تزينه الأشجار "الهرمية".
خطوات كنا نمشيها لنصل للأهرامات وأبو الهول، إما من مدخل نزلة السمان، أو من مدخل قسم الهرم، وكنا نتسابق قي تسلق الهرم الأكبر، - أيام كان مسموحاً بذلك- ونقف على أعلي نقطة، وعلى مسافة تزيد عن 135 متراً من سطح أرض الهرم، وحوله كنا نتسامر، ونقضي أوقاتا طويلة، وفي بعض الأيام نلتقي بالقرب من الأهرامات، في ميدان الرماية، ونرى عن قرب عروض الصوت والضوء.
وظلت زيارة الأهرامات بين الحين والآخر، وكان البعض يعتقد أننا نقيم ليلاً ونهاراً في زيارة الأهرامات وأبو الهول ومراكب الشمس، ومنطقة أثار الجيزة، لكن في الأحوال كنا نفتخر ومازلنا أننا في حضور الحضارة المصرية، وبالقرب من إحدى عجائب الدنيا، والتي مازالت قابعة في أحضان الصحراء وشامخة تتحدى الزمن.
وأتذكر قبل 33 عاماً، جاء خبراً مهما بتخصيص قطعة أرض على أول طريق مصر – اسكندرية الصحراوي، بمساحة تقارب 94 فدانا، كبداية في هذا الوقت، وعلى طول الخط الموازي للهرم الأكبر (هرم خوفو)، لإقامة متحف كبير يعتني بالتاريخ الفرعوني والآثار المصرية القديمة، وبالقرب من ميدان الرماية، وكان جيران الأهرامات أكثر الناس سعادة بهذا القرار، والذي يفتح بابا للسياحة، والرزق لهم، خصوصاً أهل السياحة، والمرشدين السياحيين، والعاملين في المجال السياحي، والخدمات السياحية.
وفي خطوات تالية بدأ الحلم يتحقق، حتى جاءت خطوة وضع حجر الأساس للمتحف الكبير الرئيس حسني مبارك، بحضور الوزير الفنان فاروق حسني، في فبراير 2002.
وأتذكر جيداً قي إحدى الإجازات صيف 2006، جاء حدث مهم، عندما تم نقل تمثال رمسيس الثاني من موقعه التاريخي والذي يحمل اسمه (ميدان رمسيس)، في عملية هندسية غير مسبوقة، إلى موقعه الحالي في بهو المتحف الكبير، وكان الحدث بالنسبة لجيران المتحف الكبير، هو البداية الفعلية، لهرم جديد تشهده منطقة أهرامات الجيزة.
ولا أبالغ في أن جيران الأهرامات والمتحف كانوا يتابعون بناء المتحف الكير يومياً، فيومياً كنت أمر من أمام المتحف لسنوات طويلة، ويقول كل من يرافقني، هذا الجزء أو هذا البناء، وهذا اللون، أو هذا الطريق، هو جديد، ويوماً بعد يوم بدأ يظهر تمثال رمسيس من بين المنشآت شامخاً.
وقد عشناً لحظة بلحظة بناء هذا المتحف، والذي شهد تحويلات طرق، خاصة مع تشييد منطقة من خط مترو الأنفاق للخط الرابع من أمامه، ولكن ظل الممر مفتوحاً، ليري المارة ويتابعوا مسيرة بناء المتحف الذي تأخر بسبب تطورات وأحداث بعد ثورة 25 يناير.
يبقى أن المتحف بمثابة إضافة مهمة لقطاع السياحة، وتجميع لتاريخ مصري قديم، من أثار مصر الفرعونية والقديمة، والتي تم نهب العدد من قطعها على مر العصور، وسط تقديرات تشير إلى أن نحو مليون قطعة أثرية مصرية تنتشر في أنحاء العالم، وشاهدت بعضها في دول كثيرة، فبعضها خرج بشكل رسمي، والبعض الآخر خرج بشكل رسمي.
رغم كل ذلك يبقى أن المتحف المصري الكبير، هو ايقونة سياحية، تحتاج إلى توظيف أمثل، في كل المحافل العالمية في مجال السياحة والسفر، والرهان اليوم على مختلف الجهات الرسمية، وشركات السياحة والترويج والتسويق السياحي، الخاصة قبل العامة، وعلى البعثات الدبلوماسية في الخارج.
أتمنى أن يكون على كل متن رحلات الطيران الوطنية، وغيرها من الناقلات الجوية التي تربطها اتفاقيات بمصر للطيران ووزارة الطيران، والسياحة والآثار، أن يتم توزيع كتيب أو (بروشورات) مبسطة عن المتحف والمتاحف الأخرى في أرجاء الدولة، للترويج السياحي في أنحاء العالم، ونفس الشيء توزيعها على المترددين على السفارات والقنصليات المصرية في الخارج.
وسنبقى "نحنا من عاشوا في محيط الأهرامات والمتحف جيران" رغم من يحاول إخراج الحدث من كونه جزء من تاريخ المصريين، وتراثهم الحضاري، إلى وجهات وتفسيرات دينية، أو غيرها.
--------------------------------
بقلم: محمود الحضري






