30 - 10 - 2025

رحلة في أروقة الإبداع والمعرفة الصينية.. المدرسة الابتدائية التجريبية الأولى ببكين تروي قصة مائة عام

رحلة في أروقة الإبداع والمعرفة الصينية.. المدرسة الابتدائية التجريبية الأولى ببكين تروي قصة مائة عام

منذ اللحظة الأولى التي خطونا فيها داخل أروقة هذه المدرسة الابتدائية التجريبية الأولي في بكين، شعرت وكأننا دخلنا عالماً متكاملاً، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر، والتعليم بالإبداع.

كان في استقبالنا تلاميذ صغار يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، يشاركوننا معلومات غنية عن نشأة المدرسة وتاريخها المديد، فيما كانت تحياتهم المرفوعة بأيديهم بمثابة لفتة صادقة تعبر عن الاحترام والتربية الرفيعة منذ الصغر.

كل زاوية هنا، وكل ابتسامة من الأطفال، كانت نافذة تطل على أكثر من مائة عام من الإبداع والتفاني في التعليم، لتؤكد أن هذه المدرسة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل قلب نابض للحياة والمعرفة في بكين.

بداية الرحلة

رحبت هو جيونفي، نائب مدير المدرسة المسؤولة عن الشؤون التعليمية ومنسقة الفعالية، قائلة: “أصدقائي المراسلين، مرحباً بكم في المدرسة الابتدائية التجريبية الأولى في بكين. معنا اليوم للتواصل أيضاً مديرة المدرسة جو شيويه لي، والأمين للحزب والمدير التنفيذي لحرم مدرسة هوبينغمن وانغ شين شين، بالإضافة إلى مسؤولي الأقسام المختلفة في مدرستنا”.

وأشارت هو جيونفي إلى أهمية البوابة القديمة التي تأسست المدرسة عام 1912، وكانت في الأصل مدرسة ابتدائية تابعة لجامعة بكين للمعلمين.

وفي عام 1955، تم تغيير اسمها إلى المدرسة الابتدائية التجريبية الأولى في بكين، لتصبح تحت إدارة مكتب التعليم في بلدية بكين، بينما تم نقل البوابة القديمة في عام 2001 إلى هذا المكان كتذكار دائم.

يزين اسم المدرسة على البوابة بخط السيدة دينغ يينغشاو، أول معلمة في المدرسة وزوجة أول رئيس وزراء للصين، زو إينلاي، و على الرغم من فترة تدريسها القصيرة، تركت بصمة عميقة في تاريخ المدرسة.

وقد تخرجت من المدرسة دفعات مميزة، من بينهم تشيان شيويه سين، “أب البرنامجين النووي والصاروخي للصين”.

اليوم، تدير المدرسة خمسة مواقع يدرس فيها أكثر من 4000 طالب ومعلم، ويستقبل حرم هوبينغمن طلاب الصف الثالث إلى السادس من منطقة جينغشو.

ساحة “قلب إلى قلب”

بعد ذلك، اصطحبتنا هو جيونفي إلى ساحة “قلب إلى قلب”، مؤكدة أن التسمية تذكر الجميع بأن التعليم يجب أن يكون دافئاً، وأن نتواصل مع الأطفال بقلوبنا.

تحتوي الساحة على بيانو ورفوف كتب كبيرة، حيث يبدأ الأطفال يومهم بنغمات الموسيقى الجميلة، فيما تحتوي رفوف الكتب على مختارات بعناية من قبل المعلمين للقراءة الحرة.

وأضافت أن هذه لوحة فنية صنعها طلاب الصف السادس باستخدام مكعبات الروبيك في كل مناسبة تذكارية، لتؤكد فلسفة مدرستنا التعليمية: ‘الحياة تُعلّم الإنسان، والثقافة تُربيه’. نأمل أن ينشأ أطفالنا على القراءة والموسيقى، ليصبحوا محبين للحياة وذوي عمق ثقافي”.

معرض الفنون الجميلة

معرض الفنون الجميلة، الذي يعرض بانتظام أعمال الطلاب والمعلمين في الرسم والخط، لتنمية الذوق الرفيع وإثراء عالمهم العاطفي أثناء الاستمتاع بالفن.

متحف تاريخ المدرسة

احتفالاً بالذكرى المئوية لتأسيس المدرسة، تم إنشاء متحف يعرض الصور التاريخية النادرة والمواد النصية والقطع المادية، ليقدم تاريخ المدرسة الممتد لمائة عام بشكل موضوعي وشامل.

يستفيد الطلاب من موارد المتحف للتعلم العميق، بما يتيح لهم اكتساب مهارات “التعلم في مكان المتحف” وتعزيز مفهوم “التعلم مدى الحياة”.

البستان الأخضر

في “البستان الأخضر”، يتعلم الطلاب رعاية النباتات ومتابعة نموها، بما يعزز قيم حماية الحياة والمسؤولية.

ويجمع هذا المكان بين التعلم متعدد التخصصات، من كتابة مذكرات الملاحظة إلى الرسم في الهواء الطلق وإجراء تجارب زراعية، مع مشاركة المحاصيل في أطباق جماعية أو تقديمها لكبار السن في المجتمع.

محطة الأرصاد الجوية

تتيح محطة الأرصاد الجوية لرواد الفضاء الشباب للطلاب المراقبة والبحث، بالتعاون مع خبراء الأرصاد.

ويقوم المعلمون بتوجيه الطلاب لتسجيل البيانات وفهم الظواهر الجوية في شمال الصين، وتطوير مهارات الاستقصاء وحل المشكلات الإبداعي.

تمثال دينغ يينغشاو البرونزي

يقيم الطلاب كل عام في مهرجان تشينغ مينغ فعاليات لتكريم أول معلمة في المدرسة، حيث يقدم كل طالب زهرة صغيرة صنعها بيديه للسيدة دينغ، تعبيراً عن الاحترام والتفاني في التعليم.

الرياضة بين الفصول

يشمل منهج التربية البدنية دورات متخصصة في كرة السلة، ألعاب القوى، الووشو، تنس الطاولة، والرقص الرياضي، لتعزيز اللياقة البدنية، بناء الشخصية، صقل الإرادة، وغرس عادة ممارسة الرياضة منذ الصغر.

فرقة الأوركسترا النحاسية

كانت فرقة الأوركسترا النحاسية في انتظارنا، حيث أبدع الأطفال بعزف مقطوعات موسيقية رائعة أبهرتنا منذ اللحظة الأولى.

تأسست الفرقة منذ 21 عاماً، لتعليم الأطفال الموسيقى والآلات النحاسية منذ الصف الثالث، وتشارك في عروض ومسابقات على مستوى المدينة والوطن، بالإضافة إلى الأنشطة التطوعية والاحتفالات المدرسية.

دروس تنس الطاولة والووشو

بعد وصولنا إلى قاعة الألعاب، رحب بنا التلاميذ بكل حب ودفء، وأخذوا يصطحبوننا للداخل للعب معهم، حيث شاركنا لحظات من المرح والتفاعل المباشر معهم.

تركز دروس تنس الطاولة على الألعاب والمنافسات الصغيرة، بينما تدمج دروس الووشو القصص الثقافية والمهارات الدفاعية، مع عروض استعراضية تجمع القوة والجمال والموسيقى.

قاعة الموسيقى

افتتحت المدرسة قاعة موسيقى عام 2008، لتكون أول مدرسة في بكين توفر تجربة تعليمية ترتكز على الجمال، وتستضيف مهرجانات مثل مهرجان “بوله”، حيث يشارك الطلاب والمعلمون وأولياء الأمور في عروض موسيقية حية.

الفيلم الترويجي "ملاحقة الحلم"

قدّم لنا الفيلم القصير تجربة بصرية مبهرة، جمع جميع أنشطة الطلاب في المدرسة وسرد تفاصيل المكان بشكل لافت وجذاب ، واستغرق نحو ربع ساعة.

يعكس الفيلم فلسفة المدرسة التعليمية من خلال الصور والموسيقى، حيث يمنح الطلاب فرصة لاكتساب الخبرة العملية والتعلم اليومي، بما يسهم في تكوين شخصياتهم المتكاملة

المقصف المدرسي

دخلنا إلى المقصف بترحاب شديد لتناول وجبة الغداء مع الطلاب، حيث قوبلنا بالدفء واللطف من الجميع.

كانت الوجبة مكتملة وصحية،حيث يهتم المقصف بتوفير وجبات متوازنة صحياً، مع تطبيق معايير صارمة للنظافة والتعقيم، وتقديم وجبات حلال وأطباق موسمية، لضمان التغذية السليمة للطلاب.

من بوابة المدرسة القديمة وحتى كل زاوية في مرافقها، تنسج هذه المدرسة قصة مائة عام من التعليم الراسخ، الإبداع، والاهتمام المتكامل بالنمو الثقافي والعلمي والجسدي للطلاب.

وعندما غادرت أروقة المدرسة، شعرت بفيض من الدهشة والانبهار، كأنني شاهدت مزيجاً فريداً من التاريخ العريق والابتكار الحديث.

كل زاوية هنا تحكي قصة احترام للتعليم، كل ابتسامة من الأطفال تعكس فضولاً وشغفاً بالمعرفة، وكل نشاط يعكس حرصاً على تكوين شخصية متكاملة.

لم تكن مجرد زيارة لمؤسسة تعليمية، بل كانت رحلة عبر قلب ينبض بالحياة والثقافة والإبداع، تجربة أعادت إليّ الإيمان بأن التعليم الحقيقي هو الذي يغرس القيم، ويشعل الفضول، ويزرع الحب للحياة منذ الصغر.

غادرت المكان وأنا أحمل شعوراً بالإعجاب العميق والتقدير لهذا الصرح التعليمي المذهل، مدركة أن كل نجاح عظيم يبدأ هنا، بين هذه الجدران التي تتنفس الحكمة والمعرفة.