يؤمن كثيرون؛ وأنا منهم، بحقيقة أن حل مشكلات الشرق الأوسط بطريقة تلبي حقوق واستحقاقات شعوبه، يمنع زعزعة استقرار المنطقة، ويبتعد بخصوصيتها عن التأثير على دول العالم وشؤونها الداخلية، ويحمي استقرارها من تصدير أي دعاة عنف إليها.
لقد كانت منطقة الشرق الأوسط، منذ القدم، محط أنظار القوى الكبرى (الاستعمارية) آنذاك، وقد استهدفت جميعها السيطرة على خيراتها ونهب ثرواتها، وبعد رحيل قوى الاستعمار القديم عنها، بقي بعضها يعاني سوءات التقسيم وترسيم الحدود وضم شعوب وتفتيت أخرى بين بلدان مختلفة، ولا تزال المنطقة بعد نحو ثلاثة أرباع قرن من استقلال أغلب دولها، محور خلاف بين طموحات شعوبها و هيمنة القوى العالمية الجديدة.
المنطقة التي ظهر مصطلحها المعاصر "الشرق الأوسط" للمرة الأولى على لسان القائد البريطاني وينستون تشرشل فور نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت تشهد طيلة سنوات وعقود نزاعات ساخنة، ناهيك عن التنافس الجيوسياسي بين القوى المتنفذة على الساحة مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى القوى السياسية الإقليمية (السعودية وإيران وإسرائيل)، وتركيا أيضا التي تحاول منافسة هذه الدول ليكون لها موقعها السياسي ونفوذها البارز، فلا واحدة من هذه القوى غابت صراحة عما دار في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن والسودان، كأمثلة.
أما الولايات المتحدة الأمريكية؛ القوة الأولى عالميا، دائما ما تريد أن تكون الآمر الناهي في المنطقة بعد تلاشي قوة القطب الثاني، الاتحاد السوفيتي، وانشغال روسيا بعده في حروب متلاحقة آخرها مع أوكرانيا المدعومة من حلف شمال الأطلنطي، ودائما كانت واشنطن صاحبة القرار في التعامل مع كافة الصراعات الإقليمية بالمنطقة، تعرف متى تنهي الحرب، ومبكرا تدرك أسبابها وقدرات أطرافها، وأظن أن الحرب المباشرة القصيرة بين إسرائيل وإيران أقوى دليل على تأكيد هذا الرأي.
هذا التنافس للقوى المتعددة داخل منطقة الشرق الأوسط لم يمنع أو يحسم دوما الصراعات الداخلية المسلحة في عدد من دوله غير المستقرة سياسيا، مثل لبنان و سوريا واليمن و ليبيا والسودان، وإلى حد ما يظهر العراق مستقرا بعد الخلاص النسبي من داعش، لكن ثار الخلاف الداخلي حول الإبقاء على قوات التحالف التي دعمت فعليا هذه الجهود الوطنية للجيش العراقي و بيشمركة كردستان، لكن على أية حال، فكل هذه الصراعات مهدت الطريق للقوى الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان، و العمل من أجل مصالحها، ما جعل بعضها صراحة ملعبا لمن يشاء من كبار العالم.
ما يعرفه الكافة؛ أن كل بلد ثارت الخلافات داخله بما استدعى تدخل قوى خارجية، انتهى إلى إسقاط أنظمة ومعها الدول ذاتها أحيانا، وكان التقسيم من نصيب بعضها، والضعف والتبعية من سماتها كافة، حتى الدول التي لم تحل خلافاتها حتى اللحظة لم تشهد مجتمعاتها تطورا وتقدما على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، ولم تعرف تنمية حقيقية للمكان والبشر، وهو واقع يخدم دوما مصلحة القوى الطامحة في استعادة سيطرتها على مقدرات الشعوب، الطامعة في العودة باستعمارها ولو تغيرت أشكاله.
أكبر مشكلة التي تواجه الشرق الأوسط حاليا تنافر شعوب المنطقة دون الاتفاق فيما بينها وحكوماتها بما يخدم مصالحها العليا، فهناك مشاكل عدة تتطلب التوافق الوطني الداخلي، كحال القضية الفلسطينية و القضية الكوردية، كلتاهما تتطلبان الحكمة و العقل، فالشعب الفلسطيني له الحق في إقامة دولته على أراضيه المغتصبة، أما الشعب الكوردي فله الحق في تقرير مصيره بحسب المواثيق العالمية، فهو لم يغتصب أراضى الغير، بل قسمت أرضه بين دول عدة دون وجه حق، ليصور أمام العالم كمجموعة أقليات داخل حدود هذه البلدان المستحدثة خطوطها.
ستظل نوايا القوى العظمى حاملة العصبية و الاضطرابات لدول منطقة الشرق الأوسط، مالم تنتبه حكومات دوله لأحلام وحقوق شعوبها، فليس من هذه الأحلام إضعاف بلد أو إحداث فرقة داخله، وليس في التدخل الخارجي في شؤونها خيرا منتظرا كما يتخيل البعض، لكنه التماسك والتضافر وتحقيق الصالح الوطني الجامع، وحده يحمي الجبهات الداخلية ويعزز المواطنة ويدعم وحدة أراضى كل دولة وبلد.
---------------------------
بقلم: شيركو حبيب
* كاتب صحفي من كوردستان العراق






