26 - 10 - 2025

"عندما يسقط العُرف.. صرخة صمت مأزومة من جُلف المنيا"

إن ما حدث في قرية جُلف بني مزار- المنيا ليس مجرد حادثة فردية عابرة؛ أو احتكاك عشوائي، لكنه يكشف خللا في مفهوم العدالة وهيبة الدولة، مع الاستسهال الأمني والتأخير في الاحتواء، الذي يفتح باب تحول أي شائعة إلى شرارة لأفعال شنعاء في ثوب إرهابي، فإنها مرآة عاكسة لـ عوار مجتمعي يُهدد بتقويض مفهوم الدولة الحديثة وسيادة القانون و تفخيخ المجتمعات بالترهيب المنظم، والذي يعكس الغضب والقلق العميقين إزاء هذه الأحداث وما تلاها من ترهيب وتحريض وجلسات عرفية، يضع يده على الجرح النازف: لماذا يُسمح لـ "عرف قراقوش" أن يحل محل الدستور؟ فإننا نهنيء انفسنا بنجاح الجلسة على حساب الأمن والأمان بأقلام ترتجف!

لكن الحقيقة أن ما يحدث لا يستحق التهاني، بل يستدعي وقفة جادة، فلم يكن مجرد "إرهاب غوغائي منظم" أو "شائعة خائبة"؛ بل كان نهجًا متكررًا وفيروسًا اجتماعيًا مزمنًا يُنذر بخطورة هشاشة السلم الأهلي في المنيا، بل وفي الريف المصري كله، بصيغه العقاب الجماعي الذي امتدت الي خارج القريه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بلا ضابط ولا مرجع، و بحسب شهادات من القرية، خرجت الشائعة من أسرة الفتاة المسلمه ذاتها، فلماذا لم يتم إبلاغ مركز الشرطة رسميًا؟ ولماذا لم تُقدَّم شكوى قانونية بدل اللجوء إلى "التحريض الإلكتروني" عبر مواقع التواصل؟ أليس ذلك في حد ذاته تكديرًا للسلم العام وتحريضًا طائفيًا يستوجب المحاسبة؟

ويبقى السؤال المؤلم: من يحمي حياة الشاب بشوي وعائلته، المتهم في نظر القرية، والضحية في نظر القانون؟ أم أن الأمر يفرز أمراضا نفسية اجتماعية متراكمة تنتهي بدفع أموال!

للأسف، جاءت النتيجة صادمة: تخاذل رسمي، وعبث شعبي، وصمت كنسي لم يرقَ لمستوى الحدث.

فضعف موقف أسقف الأيبراشية، وغياب بيان واضح يشرح الواقعة ويوثقها ويضع الأمن أمام مسؤوليته عن التأخير في احتواء الأزمة، وفتح الباب أمام الفوضى، وجعل الشائعة تتحول في لحظات إلى نار فتنة تلتهم كل شيء، البيوت، والزراعات، والمشاعر، بل حتى العلاقات الإنسانية التي بُنيت عبر سنين طويلة، ما زال الاحتقان الطائفي مكتومًا ينتظر شرارة، ، فلم يجسد فلم "حسن و مرقص" جلسات هزلية. ومن يضمن، دون تحقيق واضح وشفّاف، ألا تكون الفتاة المعنية قد استُغلّت أو دُفعت عمدًا نحو الأسرة القبطية لتحقيق مكاسب أو تصفية حسابات؟

إن الخطورة في القابلية للاشتعال، في مرآة تعكس خللًا ثقافيًا واجتماعيًا عميقًا. كل ذلك في توقيت مريب، يوحي أن هناك من يتعمد تفجير هذه الأحداث لإحراج القيادة السياسية في الخارج بعد نجاح القمة الأوروبية، وتقديم صورة مشوهة عن الداخل المصري.

وكلما تحدث الأقباط عن أزمة أو اعتداء أو تمييز، يخرج من يردد نغمة قديمة: "أنتم تصطنعون المظلومية!"، لكن الحقيقة ليست اختراعًا، بل واقعًا موثقًا، حين تُحرق بيوت، وتهجَّر أسر، وتُفرض صفقات عرفية بدل العدالة، فذلك ليس "تمثيلًا مصطنعا"، بل إهانة لحق المواطنة ذاته، فليس مجرد استجداء، لأن المظلومية الحقيقية ليست في التمتمة بكلمات، بل في الصمت الإجباري، ومن يتهم الأقباط بافتعالها، يتجاهل أن معظم هذه الوقائع موثقة رسميًا في محاضر، وبيانات أمنية و كنسية، وتقارير حقوقية، فلا طلبات لامتياز ما، بل عدالة متساوية بدلا من التفاخر بالجرم، و أن تُحترم حياه الأقباط وممتلكاتهم كما تُحترم حياة وممتلكات أي مصري آخر، فإنها صرخة ضد التمييز المقنَّع، وضد ثقافة “التهدئة بأي ثمن” التي تُعيد إنتاج الجرح كل مرة في قرية جديدة.

وفي كل أزمة، يظهر الوجه نفسه: صمت إجباري خوفًا من الاتهام أو العزلة. وفي حادثة نزلة جلف، تجلت هذه الحالة بوضوح، فبينما أُشعلت الفتنة على شائعة، أُجبر الطرف الأضعف على قبول التصالح وابتلاع مرار الظلم تحت شعار “الإذعان و التكرار”، لا يضطر أحد لتقديمه كمكرمة أو منحة، بل منع أحدهما في المجلس من الكتابة علي مواقع التواصل وكأنه يمارس رقابة أمنية، و وقف أحدهما يدعي علي مفتعل الفتن، وكأننا في ملطمة وليس نهجا يهدد السلم الإجتماعي، فالتعامل معه لا يرتقي لحجم الفاجعة، رغم المنشورات التحريضية منذ مايو ٢٠٢٥ التي تدعو صراحةً إلى إستراتيجية "المنيا بدون أقباط"، فهل بعد ذلك يُقال إن ما حدث صدفة؟

إن الحرق والتخريب والاعتداء ليسوا سوى فعلٍ مقصودٍ ومخططٍ بعناية، تُنسج حوله قصة ساذجة لتبرير الجريمة وتسكين الضمير، فإن المتطرف هو كل من بارك تهجير أسرة قبطية حتي لو أخطأ أحد افرادها جنائيا وتسامح في إرهاب الأسر القبطية تحت مزاعم رد فعل غاضب مقبول و بحجه الشرف، والأخطر تداعيات قطعا تتحملها وزارة الداخلية بغض الطرف عن شاب متطرف يظهر في فيديو يهدد علنًا بإحراق الكنيسة و يصيح طربا ثم يظل حرًا!، و هنا نتساءل من يحمي الأسرة القبطية المصرية من الابتزاز المعنوي والمجتمعي؟ وأين هو "الضامن" حين يتحوّل القانون إلى مجرد حضور رمزي بعد فوات الأوان؟

ويطلّ علينا عمدة القرية في فيديو يقدم انجازا: "والله كويس إنها ما انتشرتش في القرى المجاورة واتلمّت عشان في ناس محترمة!" لكن عن أيّ إنجاز نتحدث هنا؟ هل أصبح عدم امتداد الفتنة معيارًا للنجاح؟

أليس الواجب أن يُمنع أصل الشرارة قبل أن تُحرق البيوت وتُروّع الأسر؟

و قال أخر: "أبرّئ ساحة الأقباط، لم يكن الأمر عملًا ممنهجًا"، فالسؤال هنا: من الذي وضعهم أصلًا في جملة الاتهام؟ من زجّ بهم كجماعة موحّدة في مرمى النيران ثم اكتفى بعبارة باهتة بلا اعتذار رسمي أو تعهّد بعدم تكرار تلك الغوغائية؟

إن القصة في جوهرها تكشف ثلاثة أمراض متشابكة في الجسد الاجتماعي المصري أبرزها، التكميم والتجاهل الإعلامي، و الصمت الذي فُرض على أقباط القرية، وتواطؤ بعض الأصوات في مسح الفديوهات بحجة "التهدئة"، هي جريمة طمس أخرى، و في كل مرة، يتم الضغط على الطرف الأضعف لقبول الصلح العرفي تحت لافتة السلام، دون أي تعويض حقيقي أو تحرك توعوي أو حتى إدانة صريحة للعنف، مع إعلام يتجاهل، وقيادات تساير، والنتيجة أن الجرح الاجتماعي يظل مفتوحًا، فهل ننتظر قانونا لتجريم نشر الاستغاثة عبر التواصل الإجتماعي بحجه استغلالها بالخارج؟!

 الجلسات العرفية إبتزاز مالي مقنن ونسف للقضاء، القلب النابض لهذه الأزمة، هذه الجلسات، التي باتت تُستخدم كآلية لـ "فض النزاع" على حساب تطبيق القانون، تمثل إهانة مباشرة لمؤسسة القضاء، أليس من حقنا الإعتراض أم أصبحت واجبة النفاذ و يتحول كل من يطعن فيها الي نافخ في نار الفتنة؟، و نتساءل ماذا جنت الدولة من تطبيق هذا النهج علي مدار سنوات وغض الطرف عن الأضعف في هذة الحلقة فيما يخص الأقليات؟، والذي انتشر بعد ثورة يناير وسقوط القبضة الأمنية مؤقتًا.

لكن التثبيت العملي لها كـ"مسار موازٍ للقانون" ظهر بشكل واضح منذ 2013 – 2014، مع تكرار حوادث الفتن في المنيا، وسعي الدولة وقتها إلى التهدئة السريعة ومنع التصعيد الإعلامي أو الدولي حتي أصبحت نهجا منذ 2014، واعتمدت الدولة عليها بشكل منظم وغير معلن كوسيلة إدارة أزمات محلية، خاصة في الصعيد، حتي تحولت الي مسخ لإعادة تدوير الفتنة، لم يكن إلا حلا زائفا، بل مخالفة واضحة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي التزمت بها مصر أمام المجتمع الدولي. فالمادة (7) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 و المادة (8)، ووفقًا للمادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، والذي وقّعت عليه مصر، تناقض ذلك والمصالحات العرفية تفتح الباب لإهدار حق المواطنين في التقاضي بشفافية، وهو ما يجعلها ممارسة غير دستورية وغير منسجمة مع التزامات مصر الدولية، اذا كنا نتحدث عن تعديلات تخص القانون الجنائي، فلماذا تنسلخ من المعادلة، فتلك الجلسات ما هي الا تعطيل أو تجاوز مسار العدالة الجنائية لتسجيل الجريمة “اجتماعيًا” لكنها لم تُعاقَب قانونيًا، فإن أي تعديلات غرضها تشديد العقوبات أو حماية الفئات المستهدفة بالعنف - مثل الأقليات أو النساء - تفقد قيمتها تمامًا لو استمرت الجلسات العرفية تُستخدم كبديل عن القضاء، وعن تحديث منظومة العدالة"، وهي نقل لسلطة الدولة إلى أفراد غير مختصين. ويتعارض بشكل مباشر مع المادة (94) من الدستور، فنجد أننا نسير في حلقه مفرغه بتعديل القانون على الورق، لكن العدالة لا تُطبق على الأرض.

إن كانت لا توجد نية للإصلاح، فلماذا علينا أن نتقبل في صمت، ولماذا صرف الملايين لتغيير البنية التحتية في الصعيد مع بقاء نفس آليات التعامل مع المشاكل الطائفية، وكم نستغرق من سنوات لحين لحظة التغير في العقول!

إن المبالغ المالية الخرافية المفروضة بمثابه الجزية الجديدة أم سمسرة تُدفع تحت ستار الصلح علي حساب سمعه الأسر.

فإن التساؤل عن شرعية أحكام بدفع مبالغ وهمية مثل "مليون و٢ مليون" و كإنها تسعيرة انتقائية دون معايير هو تساؤل مشروع، و دون معرفة هل كانت نظير تجارة بين أسرتين كمثال أو مجرد إتهامات جوفاء دون دليل وشائعة عن مراهقين ليس لها جذور بين مشاعر متناثرة وقصص وهمية انتشرت كالنار في الهشيم، فأي ثمن يعوض الترويع في بيوت آمنة ليس لها أي صلة بما يحدث،

إن هذه المبالغ تُنزل منزلة الابتزاز، وتُفقد مفهوم العدالة قيمته، فمن يملك سلطة تقدير هذه التعويضات الخيالية دون رقابة؟ وهل يمكن لأسرة مصرية عادية في قري أن تتحملها؟ هذا يفتح الباب أمام تسوية الأوضاع بالمال وليس بالقانون، وتتجاوز هذه الجلسات جوهر النظام القانوني بإلغاء حق الاستئناف ودرجات التقاضي، وتُصدر أحكامًا "من أول درجة" في غياب كامل للضمانات القانونية التي تكفلها الدولة لمواطنيها، وماذا لو لم يقم طرف بسداد المبلغ؟ هل يتم حرق بيوت أقباط القرية كلها من جديد، ألا يمتلكون حق الرد الطبيعي؟، ونتساءل أيضا عن صلاحيات عمدة القرية ومدي تأهيله وتدريبه، بل تفويضه للبت في مثل هذه القضايا الشائكة؟! ، وقمعًا لحرية التعبير من التقيد بعدم الاستهجان عبر التواصل الاجتماعي، وفي القانون الدولي، يعتبر تحت بند "القيود التعسفية على حرية الرأي"، فإننا أمام مخالفة صريحة للمادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدّقت عليه مصر، والذي يكفل حرية الرأي والتعبير دون مضايقة أو تقييد. فحرية المواطن في الحديث عن الظلم لا تُعد تهديدًا للسلم الاجتماعي، بل هي الضمانة الأولى لسلامه الحقيقي.

إن المساواة بين الجاني والضحية خلال تكرّيس هذه التسويات لفكرة أن القبطي "لا دولة تحميه"، بل تخضعه لسلطة عرفية توازن بين من حرق وسبّ ومن تعرّض للاعتداء، في منطق يهدف إلى "التهدئة" على حساب إقامة العدل، وعن مدي شرعيتها وتأهيل من يحكم والتكالب بالأغلبية، فهم الحاكمون والشهود والمتحدثون والقضاة والمحققون من نفس الدين الواحد في جرائم فوق إستيعابهم.

في الوقت الذي شهدت فيه قرية الفواخر تدخلًا حاسمًا من المخابرات الحربية بتوجيهات رئاسية مباشرة لاحتواء أزمة مشابهة، يتساءل كثيرون: لماذا لا تُعمم تلك التعليمات الصارمة لتُطبق في كل محافظة؟ فإذا كانت الدولة قادرة على التحرك الفوري وفرض هيبة القانون في مكان، فلماذا يترك الأمر في أماكن أخرى للصدف والمجاملات العرفية؟

هذا التفاوت في الاستجابة يخلق شعورًا بالجبن، ويهز ثقة المواطنين في العدالة المركزية، ويترك الباب مفتوحًا لتكرار المآسي.

الأخطر من هذة الجلسات هو البيئة التي نشأت فيها الأزمة وما تبعها من ردود أفعال على منصات التواصل الاجتماعي من خلال "كائنات الرعاع" والتبجح الصارخ بالسب والاستفزاز والدعوة العلنية لـ تهجير الأقباط على وسائل التواصل الاجتماعي هو جريمة تحريض تستوجب تدخلًا فوريًا من كافه أجهزة الدولة. هذا التحريض يمثل إرهابًا فكريًا وماديًا يتفشى بتشجيع مريب، حيث يعلم المحرض أن نهاية نشر "البذاءات" هي الإفلات من العقاب وتجسيدا للمفارقة الفجّة في معايير الدولة، وازدواجية في التعامل مع الجرائم المماثلة، فإن كرامة هذا الوطن من كرامة أقباطه، والتهاون مع من يحرض على الفتنة يُرسخ مفهوم أن هناك متنفسًا لمن يريد "التفريغ في الأقباط بدل النظام" بتواطؤ أو تقاعس أمني مع تغذية الكراهية دون مكافحة، فاستمرار نهج الإذلال والتعنت يضمن عدم إزالة الجذور، مما يؤدي إلى تحويل الأزمة من قرية واحدة إلى موجة كراهية تصوب نحو أقباط الوطن بأكمله، فهو فصل جديد في سجل الأزمات الريفية، و خلل يحتاج إلى مواجهة فعلية، لا إلى تجميل مؤقت

و نطرح سؤالا يفرض نفسه بقوة في ضوء ما يحدث: هل يُستخدم الملف القبطي في الداخل كرسالة أو ورقة ضغط غير معلنة، بسبب خلافات بين بعض أقباط المهجر والأجهزة الرسمية في الخارج؟

إن صحّ ذلك، فالكارثة أكبر مما نتخيل، لأن الأبرياء في القرى والنجوع هم من يدفعون الثمن دون ذنب.

فالاختلاف في الرؤى أو الانتقادات من الخارج لا يمكن أن يُترجم إلى تراخي في حماية المواطنين في الداخل. فما ذنب أسرة بسيطة لتتحمل نتائج خلافات سياسية أو إعلامية خارج حدودها؟

لذلك فإن الأمن الوطني مسؤوليته تطبيق القانون بعدالة على الجميع، لا استخدام “اللامبالاة” أو “التأخير” كرسالة سياسية مبطنة. إن كان هناك سوء تفاهم أو توتر بين الدولة وبعض الأصوات في المهجر، فمكانه طاولة الحوار والدبلوماسية، لا بيوت البسطاء لتهذيب أناملهم.

إن القبطي البسيط في قريته ليس ممثلًا سياسيًا، بل مواطن مصري كامل الحقوق، يجب ألا يُعامل كـ"رهينة رمزية" لأي خلاف خارجي. و إن ترك الأمور للعُرف والتهديد ببلطجة الأغلبية لا يهدد السلم الداخلي فحسب، بل يضع الدولة أمام مسؤولية دولية مع خرق المواثيق الدولية، لذلك إن حماية حقوق الأقليات والدفاع عن سمعتهم وأمنهم هو التزام بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، والمادة ٤ من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD)، والتحريض العلني على القتل أو التهجير يشكّل خرقًا مباشرًا للمادة 20(2) من ICCPR. كذلك الصمت الرسمي أو عدم ملاحقة الصفحات التي تستمر في التحريض يكوّن "إخلالاً بالتزامات الدولة" بموجب ICERD، مما يفتح الباب أمام التصعيد لآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لذلك تكرار تهجير الأسر القبطية من الريف المصري بسبب انتمائهم الديني، مع تقاعس الدولة عن منع أو معاقبة الجناة، يرقى إلى "تطهير عرقي محدود أو ممنهج" من منظور القانون الدولي الإنساني، لأن الفعل في جوهره يستهدف إفراغ مناطق معينة من مكوّن ديني محدد، حتى لو تمّ ذلك تحت لافتة "التهدئة" أو "المصالحة العرفية"، وليس مجرد "خلاف محلي" كما يحاول البعض تصويره.

اما عن مطالب تفعيل دولة القانون ومكافحة التطرف في الختام ليس رفاهية، إن الأزمة في جُلف تكشف عن الحاجة المُلحة لإنفاذ القانون الفوري والقبض على المحرضين علنًا وتقديمهم لمحاكمة جنائية عادلة وليس من باب المظهر الشكلي ثم المقايضة لاحقا.

وتأكيد السلطة المطلقة للقضاء والدولة في حل النزاعات الجنائية، بل تجريم هذا النوع من الجلسات برعاية أمنية متجاوزين السلطة القضائية، كما طُولب مرارًا إنشاء كيان يضم علماء وأطباء نفسيين وشخصيات عامة محايدة لمعالجة الجذور الفكرية والشحن المجتمعي خارج نطاق القرى، إما أن يُعاد الاعتبار لـ كرامة المواطن القبطي ولـ مؤسسة القضاء بتدخل واضح وحاسم من رئاسة الجمهورية، أو أن يستمر هذا النهج في بناء جدران الفتنة وتهديد النسيج الوطني المصري، بدلا من تفعيل القانون الذي بات يرتجف أمام الغوغاء، والإصرار علي قيادات كنسية وشعبية تعرف إن الصمت ليس سلاما، بل مشاركة في الجريمة، فالمطلوب عدالة السماء وقانون الأرض.
-------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي


مقالات اخرى للكاتب