26 - 10 - 2025

"عودت عيني"

لم تكن المشكلة أن أم كلثوم غنّت وشدّت وتسلطنت ميت فل وعشرة وهي تعيد وتزيد في مقطع "عودت عيني على رؤياك"، مرة واثنين، وقلنا مش مشكلة لو نفسها في مرة ثالثة. مهما كان، دي الست، وياما سمعتنا اللي نفسنا فيه. فرحان؟ تلاقي: "وضحكنا ضحك طفلين معًا/ وعدونا فسبقنا ظلنا". مكسور الجناح؟ وشايل فوق كتافك هموم المقطم؟ لأنك من قبيلة "اللي حب ولا طالشي"، وياما فوت، وقلت كبر دماغك وبلاش تقف عند الصغيرة والكبيرة. ومهما كان، دي فرحانة بنفسها، وفي الآخر كنت زيك زي غيرك وجبت زيت، بعد ما سألتك "أيهم فهمُ كُثرُ"، وعرفت إن الخلاصة في الأمثال، ومافيش مثل خاب، كله – وللأسف – صاب، وفي الصميم. يعني لو نشنجي بريمو، عمره ما يعرف يظبط السهم على "كبد القلب" زي ما حصل معاك.

وإياك تستغرب من قولة "كبد القلب"، وإيه لم الشامي ع المغربي، اسمع يا سيدي؛ الكبد في اللغة يقصد بيه الصميم. يقال: "أصاب كبد الحقيقة"، وطبعًا الحقيقة لا ليها كبدة ولا قانصة، من اللي مراتك كل ما تطلب فرخة من الفرارجي، تقعد ربع ساعة تنبّه عليه إنه ينظفهم كويس ويحطهم في كيس صغير مع الفرخة. ومن كثر تكرارها، يتهيأ لك إنها طالبة كبدة وقانصة، والفرخة هدية، يعني مش فارق معها سعر الكيلو كام أد ما تنبه على الكبدة والقانصة، وزي ده كثير في عالم الأعمال والمال والسياسة، نمسك في اللقمة الحاف، وننسى الفرن بالعيش اللي فيه، وعليه العوض ومنه العوض.

ويوم أسود على الفرارجي واللي شغالين عنده، إذا الفرخة جت من غيرهم. تستلم الفرخة وتدخل دغري على المطبخ، وتفك الكيس وهي ماشية، بقلق وتوتر كأنها ها تفتح كنز عليّ بابا، أو وصية الوالد المرحوم اللي مات وسابهم ع البلاط، بس مين عارف، يمكن يطلع لك عم في البرازيل وكتب كل ثروته باسمك، مع أنه ما يعرف إن أخوه اتجوز وخلف، وربنا يسامح أفلام إسماعيل ياسين اللي خلتنا نتعلق بحبال الهوا الدايبة.

المهم أول ما المدام تنتهي من تفتيش الكيس وتتأكد أن الكبدة والقانصة مش موجودين، عينك ما تشوف إلا النور. وشها يحمر، ودغري على الباب، وهي خانقة شنطة الفرخة، كأنها رقبة الفرارجي. وتفتح الباب بعصبية وغيظ وتصرخ في صبي الفرارجي اللي من زهقه كوع شوية على السلم، فيقوم منطور يا عيني زي الكتكوت المبلول، ويحلف لها إنه ما أكل منها حاجة، لكن على مين؟ مدفع مترليوز سريع الطلقات وانفتح، وحظه الأغبر إن هو اللي في وشها، ويا عيني عليه ما يفهم من عصبيتها ولا كلمة، لكنه قرا من لون وشها ودراعها المفرود على آخره بالفرخة، إن الطلب رجع. وبلغة أهل هذا الزمان: "الأوردر رجع".

أيوه، نقول "الأوردر"، ليه نقول "الطلب"؟ ده حتى الإنجليزي أسهل من السهولة، ما عليك إلا إنك تقول الكلمتين اللي تسمعهم بالطريقة اللي يشوفها لسانك، وكأنك يا عيني بتعرف عربي مكسر. وكثر خيره إنه بيعرف يتكلم مع الولاد في الشارع. خلينا U-turn يوتيرم، والـ Safe-Side سيك سايك، فين صعوبة الإنجليزي بقى؟ والحمد لله إنه ما طلع في دماغه يتكلم لغات تانية!

نرجع مرجوعنا لأم كلثوم. عادت وزادت الست في "عودت عيني على رؤياك"، مرة تقولها على بعضها، ومرة تقطعها في النص وتقول "يا عيني"، كأنما ترد على نفسها. فينشال الجمهور وينبط، لأن الست خرجت عن النص. تعالوا شوفوا مغنيين ومغنيات اليومين دول؟ كلام ولبس خارج عن النص والذوق. ومع كده، الحفلات "كومبليت". أيوه "كومبليت"، أمال عايزني أقول "كامل العدد"؟ دي حتى تبقى عيبة، ويقولوا عليّ بيئة!

عادت الست وزادت مرات ومرات، حتى شعرت أن الفرقة الموسيقية زهقوا، ولولا الملامة، كان كل واحد شال شيلته وقام روح على بيته.

المهم، اللي زعلني إن الست مشيت ورا أحمد رامي وقالت، "وقلبي سلم لك أمري". طيب ليه بقى يا ست الكل؟ عودتي عينك، وعديناها، وبدل ما كنت بتشوفيه في الساعة، ساعة ونص، بقى الشهر يعدي لا حس ولا خبر. ومعلهش، مشاغل، وحياة النعمة دي، وتحط لقمة العيش على عينها، وتقول ما فاضية أبص جنبي. ومين قال بصي جنبك؟ بصي قدامك، بصي وراك، لكن زي القطر آخده في وشك، هتشوفي إزاي؟

وبعدين مين قال إن الموضوع موضوع أبص فين؟ الموضوع، انت فاكره ولا ناسية؟ وعلى رأي محمود درويش اللي جاب من الآخر وقال: "تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْ/ تُنْسَى كمصرع طائرٍ/ ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى..."

ونرجع ثاني للقمة العيش، اللي شيلاها في جيبها لزوم الحلفان الكذب، وتحطها على نن عينها، وميت يمين: "انتص ف نظري لو بكدب"، وطبعًا تهز راسك وانت عارف إن اللي قدامك إمام الكدابين، وتقول: "مصدقك"، وطوالي يرن في دماغك صوت الست؛ "وقلبي سلم لك أمري"، يعني بعت القضية بالثلث، وسلمت قلبك تسليم مفتاح، وكل سنة وانت طيب، عايز إيه ثاني؟.. 

أراهنك إنك بتدندن دلوقتي وبتقول، "عودت عيني على رؤياك"، وها تقولها ميت مرة كمان، وربنا يسامح اللي كان السبب!
--------------------------
بقلم:
 د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]


مقالات اخرى للكاتب