25 - 10 - 2025

إلى أي أيديولوجيةٍ ينتمي الرئيس السيسي؟

إلى أي أيديولوجيةٍ ينتمي الرئيس السيسي؟

يُعَدّ الرئيس عبد الفتاح السيسي من أكثر الشخصيات إثارةً للنقاش في المشهد السياسي المصري المعاصر، ليس فقط بسبب سياساته الداخلية والخارجية، بل أيضًا بسبب الغموض النسبي الذي يكتنف أيديولوجيته. فبينما يمكن تصنيف الرؤساء المصريين السابقين بوضوحٍ نسبي ضمن أطر فكرية وسياسية محددة، يبدو السيسي أقرب إلى "البراغماتية الصلبة" التي تتجاوز التصنيفات الأيديولوجية التقليدية.

عند المقارنة، يُمثِّل جمال عبد الناصر النموذج الأوضح للأيديولوجيا السياسية في التاريخ المصري الحديث؛ إذ انتمى بوضوحٍ إلى التيار القومي العربي الاشتراكي، معتمدًا على الدولة المركزية القوية، وتوسيع دور القطاع العام، وتبنّي سياسات خارجية مناهضةٍ للاستعمار. كان مشروعه واضح المعالم: الاستقلال الوطني، والعدالة الاجتماعية، والوحدة العربية. كانت الأيديولوجيا لديه محرّكًا للسياسة، لا مجرد أداةٍ لها.

أما أنور السادات، فقد نقل مصر من القومية الاشتراكية إلى الانفتاح الرأسمالي والبراغماتية السياسية. أعلن ما سُمِّي بـ"ثورة التصحيح"، وفتح الباب أمام القطاع الخاص، ووقّع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني. كان أقرب إلى الواقعية السياسية الممزوجة بنزعةٍ ليبراليةٍ اقتصادية. لم يكن تحركه فكريًا بقدر ما كان ردّ فعلٍ على الأوضاع الداخلية والدولية، فكان السادات عمليًا، لكنه استغل الخطاب القومي والديني لتبرير التحولات.

ثم جاء حسني مبارك، الذي يمكن وصف أيديولوجيته بأنها إداريةٌ كلاسيكية. لم يطرح مشروعًا فكريًا واضحًا، بل اعتمد على الحفاظ على الاستقرار عبر مزيجٍ من السيطرة الأمنية والانفتاح الاقتصادي المحدود. كان أقرب إلى نموذج الدولة البيروقراطية التي تُدير شؤونها بالحد الأدنى من التغيير، مع تركيزٍ على البقاء والاستمرارية أكثر من التجديد أو الإصلاح الفكري.

أما محمد مرسي، فكان أول رئيسٍ ذي مرجعيةٍ أيديولوجيةٍ دينية واضحة، بحكم انتمائه إلى جماعة الإخوان. انطلق من رؤيةٍ تقوم على أسلمة السياسة والمجتمع، رغم محاولاته لاحقًا تقديم نفسه كرئيسٍ لكل المصريين. إلا أن تجربته القصيرة أظهرت تصادُم الأيديولوجيا الدينية مع الدولة العميقة والمؤسسات المدنية والعسكرية، ما أدى إلى سقوط مشروعه قبل أن يترسخ.

في المقابل، لا يمكن تصنيف عبد الفتاح السيسي بسهولةٍ ضمن أي إطارٍ أيديولوجيٍّ تقليدي. فهو ليس اشتراكيًا كعبد الناصر، ولا ليبراليًا كالسادات، ولا إداريًا كلاسيكيًا كمبارك، ولا دينيًا كمرسي. يمكن القول إن أيديولوجيته هي أيديولوجية الدولة الواقعية، حيث تتقدّم مفاهيم الأمن والاستقرار على أي مشروعٍ فكريٍّ أو سياسي. يعتمد السيسي على خطابٍ وطنيٍّ يركّز على "بقاء الدولة" و"محاربة الفوضى"، مستفيدًا من تجربة ما بعد 2011 التي ربطت بين الثورة وعدم الاستقرار.

اقتصاديًا، يتبنّى السيسي نموذجًا تكنوقراطيًا موجهًا من الدولة، يقوم على المشروعات الكبرى، وجذب الاستثمارات، وإعادة بناء البنية التحتية، مع حضورٍ قويٍّ للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد. سياسيًا، يعتمد على إعادة ترسيخ السلطة المركزية، ومحاصرة التيارات الأيديولوجية، سواء كانت دينية أو ليبراليةً أو يساريةً.

ختامًا، إن هذا التوجّه البراغماتي – الذي يجعل من الدولة غايةً لا وسيلة – يحمل آثارًا مزدوجةً على مستقبل الحياة السياسية في مصر. فمن جهةٍ، يُحقّق الاستقرار ويمنع الانقسام الأيديولوجي الذي شهدته البلاد بعد 2011، لكنه من جهةٍ أخرى يُبقي المجال العام محدودًا ويُضعف إمكانات التطور الديمقراطي والمؤسسي. فغياب الأيديولوجيا لا يعني الحياد، بل يعني أن السلطة باتت مركز المعنى والغاية معًا.

لذلك، يمكن القول إن السيسي يُمثِّل جيل ما بعد الأيديولوجيا في الحكم المصري، حيث تُدار السياسة كملفٍّ أمنيٍّ وإداريٍّ أكثر من كونها مشروعًا فكريًا. وهذا الاتجاه، رغم ما يوفره من استقرارٍ نسبي، يضع تحديًا حقيقيًا أمام المجتمع المصري: كيف يمكن بناء دولةٍ حديثةٍ قادرةٍ على الجمع بين الأمن والتَقدُم، بين القوة والحُرية، دون أن تفقد توازنها؟
------------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

إلى أي أيديولوجيةٍ ينتمي الرئيس السيسي؟