تسابقت صحيفتا 'جيروزالم بوست' و'معاريف' العبريتان اليوم (ومن بعدهما مواقع صهيونية شتى) على نشر تقرير "مشبوه" صادر عن مركز 'مائير عميت للمعلومات الاستخباراتية وشؤون الإرهاب' Meir Amit Intelligence and Terrorism Information Center، يزعم أن وثائق "عُثر عليها" في غزة كشفت عن "التنسيق الوثيق" بين حركة حماس وشبكة الجزيرة القطرية، سواء من حيث توجيه التغطية الإعلامية، والتأثير على صياغة التقارير والمنشورات، أو على مستوى توظيف صحافيين ومراسلين "لهم خلفيات إرهابية".
تقرير مركز ITIC (الذي أُنشئ قرب تل أبيب عام 2001، في خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتابع فعليًا لهيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، رغم أنه يُقدَّم كـ"مركز أبحاث مستقل"، لكنه يعمل بالتنسيق مع وزارة الدفاع وجهازي الموساد والشاباك، ويديره ضباط استخبارات متقاعدون) يعرض عددا من
الوثائق التي لم يوضّح تاريخ أو ظروف العثور عليها، باعتبارها "دليلًا نادرًا" على وجود "تنسيق مُمنهج" بين حماس والجزيرة، يتجلى في توجيه التغطية الإعلامية والتأثير المباشر على تغطية الأحداث الميدانية في غزة وعلى طريقة عرضها، بهدف توجيه الرأي العام العربي إلى وجهة بعينها.
من بين الوثائق التي يزعم المركز أن جيش الاحتلال عثر عليها داخل أنفاق غزة، تعليماتٌ مباشرةٌ من مسؤولي إعلام حماس إلى قناة الجزيرة لضمان عدم تأثير التغطية على "صورة المقاومة". على سبيل المثال، في وثيقةٍ تعود لعام 2022 (أي قبل طوفان 7 أكتوبر)، طُلب من الشبكة تجنب استخدام مصطلحاتٍ مثل "مجزرة" عند تغطية هجومٍ صاروخيٍّ شنّته حركة الجهاد الإسلامي على حي جباليا، "رغم اعتراف حماس نفسها بأنه لم يكن هجومًا إسرائيليًا" .. وهي التوجيهات التي "استقبلتها إدارة أخبار الجزيرة بإيجابية"، حسب ما ورد في تقرير المركز الصهيوني.
وكشفت وثيقة أخرى أن حماس سعت إلى إنشاء خط اتصال مباشر وآمن بين مكاتبها في غزة ومكاتب الشبكة في الدوحة، مما يسمح بتلقي "تعليمات آنية" حول ما يجب نشره، وكيفية صياغة التقارير، والمحتوى الذي يجب حجبه. ووفقًا لتقرير المركز الاستخباراتي الإسرائيلي، تُشكل هذه النتائج "دليلًا نادرًا على وجود آلية تنسيق دائم بين حماس (التي يصفها كالعادة بالمنظمة الإرهابية) ومؤسسة إعلامية دولية ذات شعبية في العالم العربي (أي الجزيرة)".
ويركّز التقرير على أن "اللغة" التي استخدمتها قناة الجزيرة في تغطيتها للقتال تتطابق باستمرار مع لغة حماس: إذ يُشار إلى مقاتلي الحركة بـ"المجاهدين" أو "المقاومين"، بينما يُوصف جنود الجيش الإسرائيلي (المهيض) بـ"قوات الاحتلال". وكذلك، يُطلق على "الرهائن" الإسرائيليين لفظ "الأسرى"، بينما يُقدم قتلى حماس على أنهم "شهداء".
ويستطرد التقرير في زعم كيف أنه في إطار "هذا التعاون"، مُنح مراسلو الجزيرة "وصولاً استثنائياً" إلى شبكة أنفاق حماس. ويستشهد في ذلك، بتحقيق قام به مراسل الجزيرة وائل الدحدوح (الذي فقد 13 من أفراد عائلته في مجزرة إسرائيلية يوم 25 أكتوبر 2023)، ظهر فيه مقاتلو القسّام داخل أنفاق عملياتية، وأجرى معهم مقابلات حول كيفية بنائها وتجهيزها للمعارك. ثم يعرض مثالا آخر، عندما وثّق تقرير بثّته الجزيرة، بالصوت والصورة، تفاصيل تجهيز نفق كي يكون "مصيدةً" للجيش الإسرائيلي، وفي أبريل 2024، احتفلت القناة بأن "الفخّ نجح"، مع عرض معدات عسكرية إسرائيلية قُدّمت وقتها كغنائم حرب.
ولا يقتصر تقرير مركز المعلومات الاستخباراتية ITIC الإسرائيلي، في ادّعاءاته بشأن التنسيق بين الجزيرة وحماس على "محتوى التغطية ولغة الخطاب"، بل يزعم أن الوثائق التي تم العثور عليها أظهرت أيضًا أن عددا من الصحافيين المحسوبين على الشبكة، هم في الواقع "كوادر" في حركة حماس، بل إن "بعضهم شارك في هجمات 7 أكتوبر". وفي هذا السياق، يستعرض التقرير قائمةً بأسماء أولئك "المراسلين الإرهابيين" (كما وصفهم)، ومن بينهم:
المرحوم أنس الشريف، الذي قتلته غارة إسرائيلية في أغسطس 2025 (يزعم التقرير الاستخباراتي الصهيوني أنه كان يعمل "مقاتلاً وقائدا لمجموعة في لواء جباليا حسب الوثائق".
إسماعيل أبو عمار، مراسل خان يونس الذي أصيب في فبراير 2024 (ويزعم التقرير أن "الوثائق" تعرّفه كـ"قائد في كتائب القسّام")
طلال العروقي، صحافي آخر أصيب في نوفمبر 2024 (تذكر الوثائق المزعومة أنه في الواقع "ضابط برتبة نقيب في سرايا القدس")
المرحوم حسام شبات، المتعاون بالقطعة مع قناة الجزيرة والذي قتله الجيش الإسرائيلي في مارس 2025 (يصفه التقرير الاستخباراتي بأنه "عضو في وحدة مكافحة الدبابات التابعة لحماس في بيت حانون، فضلا عن كونه قناصًا محترفا").
وفي سياق تدليله على مزاعم "التواطؤ بين الجزيرة وحماس"، يستعرض التقرير الاستخباراتي الإسرائيلي عددا من "حالات قطع فيها مراسلو الجزيرة مقابلاتهم الميدانية مع مدنيين فلسطينيين انتقدوا حماس". فيذكر أنه في 5 نوفمبر 2023، قُطع البث المباشر من مستشفى الشهداء في غزة، بعد أن بدأ أحد المتحدثين في اتهام حماس بالاختباء بين المدنيين. وفي حالة أخرى، في ديسمبر من العام ذاته، "دفع مراسل الشبكة شخصًا قال أمام الكاميرا إن الله سيحاسب قطر وتركيا – وذلك بعد أن طُلب منه وصف ما حدث في 'المجزرة' الإسرائيلية".
وبخلاف أن التقرير "القنبلة" كما يصفه معلّق صهيوني، والمتداول "بنَهَم" في الإعلام العبري عن "خبايا التنسيق بين حماس والجزيرة" – تحت زعم أنه معزّز بـ"وثائق سرية" تم العثور عليها في أنفاق غزة- لا يقدّم أي دليل على صحة تلك الوثائق سوى صور زنكوغرافية يمكن بسهولة الطعن في صدقيتها. وفضلًا عن أن "السردية" خالية تماما من أي إشارة لظروف وملابسات العثور على تلك الوثائق المزعومة، فالمؤكد أن معظم ما ورد فيها لا يخرج عن خط "رواية" الجيش الإسرائيلي "المزمنة" منذ بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر (وحتي من قبلها) عن "تواطؤ" إدارة الجزيرة مع حركة المقاومة الفلسطينية ووصم مراسليها -وأحيانا مصوّريها والمتعاقدين غير المتفرّغين معها- بتهمة "النشاط الإرهابي"، من منطلق أنهم "عناصر في حركة حماس أو مقاتلون في القسّام" ما يبرّر استهدافهم و"تصفيتهم". كما أنه لا يختلف كثيرًا عن مجمل تصريحات حكومة النتنياهو ووزرائها المتطرفين المتشنّجة بشأن "الدور الذي تلعبه القناة القطرية في تضليل الرأي العام العربي"، كلما بثّت تقريرا يفضح جرائم الإبادة والتجويع في غزة أو يصوّر اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية (التي أغلقت سلطات الاحتلال مكتب الجزيرة بها رغم تبعيّته نظريا لإدارة السلطة الفلسطينية في رام الله).
مضمون التقرير الإسرائيلي و"توقيت" نشره جزء من تصعيد الحملة "الإعلامية والنفسية" على قطر، في وقت يضج النتنياهو علنًا من الدور القطري (خصوصًا منذ فشل عملية اغتيال قادة حماس في الدوحة)، وبالتزامن مع الوجود الأمريكي "الكثيف" في تل آبيب (متمثلا في نائب الرئيس 'جي دي فانس' ومستشاره المقرّب 'ستيف ويتكوف' وصهره المدلل 'جاريد كوشنر'، وسيلحق بهم وزير خارجيته 'ماركو روبيو)، مثلما تستاء حكومته من تغطية الجزيرة لما يجري ميدانيا في غزة (استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية رغم اتفاق وقف إطلاق النار، وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين يوميا، وعرقلة دخول المساعدات ..إلخ)، ومن نبرتها "المختلفة عن نظيراتها العربيات" في معالجة موضوع تصفية الخلايا والميليشيات المناوئة لحماس والمتّهمة بالعمالة لإسرائيل، وكذلك من مجمل تعاطيها مع الشأن الفلسطيني.
---------------------------
تقرير - هاني الكنيسي
نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك