في رحلة تحمل عبق التاريخ وسحر الطبيعة ودفء الحياة الريفية، قام وفد صحفي تابع لبرنامج التبادل الإعلامي بمركز الصين الدولي للتواصل الصحفي التابع لوزارة الخارجية الصينية بزيارة إلى قرية هوانغ لينغ التابعة لمحافظة وويوان في شمال شرقي مقاطعة جيانغشي، والتي تُعد واحدة من أجمل القرى الصينية وأكثرها جذباً للسياحة الثقافية والبيئية في السنوات الأخيرة.
جاءت هذه الزيارة ضمن جولة ميدانية تهدف إلى التعرف على ملامح التنمية الريفية في الصين، وكيفية الدمج بين الحفاظ على التراث وتطوير الاقتصاد المحلي، في نموذج فريد يجسد رؤية الصين الحديثة في دعم القرى وتحويلها إلى مراكز سياحية وثقافية نابضة بالحياة.
منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها أقدام الزائرين أرض هوانغ لينغ، يشعرون وكأنهم انتقلوا إلى لوحة فنية تجمع بين التاريخ والطبيعة.
فالقرية، التي تأسست في منتصف عهد أسرة مينغ وتاريخها يمتد لأكثر من خمسمائة عام، لا تزال تحتفظ بطابعها القديم ومعمارها التقليدي المميز بأسقفها المائلة وجدرانها الحجرية السوداء ونوافذها المزخرفة على الطراز الصيني القديم.
وبين أزقتها التي تتخللها الجسور الحجرية والبيوت الخشبية العتيقة، يمكن للزائر أن يستشعر عبق الماضي الصيني بكل تفاصيله الدقيقة.
خلال الجولة، استمع أعضاء الوفد إلى شرح مفصل من مسؤولي القرية حول مشروعات التنمية الريفية المستدامة التي تم تنفيذها خلال السنوات الأخيرة.
فقد ركزت هوانغ لينغ على الاستفادة من مواردها الطبيعية والتراثية لتصبح نموذجاً في السياحة الريفية، تحت شعار “وطن الروح الأصيلة” للقرية الصينية.
ونجحت السلطات المحلية، بالتعاون مع المستثمرين والجهات السياحية، في إعادة إحياء الهوية الثقافية للقرية عبر إبراز عناصرها التقليدية وإدخال مفاهيم حديثة تتماشى مع متطلبات السياحة البيئية والاقتصاد الأخضر.
واستعرض المسؤولون خلال الزيارة تجربة القرية في إطلاق علامة سياحية مميزة تُعرف بـ“تجفيف محاصيل الخريف في هوانغ لينغ”، وهي فعالية موسمية شهيرة تحوّلت إلى رمز سياحي يعكس روح الريف الصيني الأصيل.
ففي كل خريف، تتزين أسطح المنازل وسلال الخيزران المنتشرة في الأزقة بألوان زاهية من المحاصيل المجففة كالفلفل الأحمر، والذرة الصفراء، واليقطين، ما يشكّل مشهداً بصرياً مذهلاً يطلق عليه الصينيون اسم “لوحة الطبيعة الذهبية”.
وقد أصبح هذا التقليد جزءاً من الذاكرة الثقافية للسكان المحليين ومقصداً للمصورين والسياح من مختلف أنحاء العالم.
كما تعرّف الوفد على موقع آخر من أبرز المعالم في هوانغ لينغ وهو “بحر أزهار المدرجات”، حيث تمتد الحقول الزراعية على شكل مدرجات جبلية خضراء تتبدل ألوانها مع الفصول الأربعة، مشكلة منظراً طبيعياً يأسر الألباب.
ففي فصل الربيع، تتفتح أزهار الخردل الصفراء لتغمر المكان ببحر من الألوان، بينما في الصيف يكتسي المشهد بالخضرة الندية، وفي الخريف تتلألأ سنابل الأرز الناضجة، لتتحول القرية إلى لوحة متكاملة من الجمال الطبيعي والانسجام البيئي.
وأوضح مسؤولو القرية للوفد أن هذه المشاريع لم تقتصر على الجانب السياحي فحسب، بل ساهمت أيضاً في تحسين مستوى معيشة السكان المحليين بشكل كبير.
فبفضل تحويل القرية إلى وجهة سياحية عالمية، أُتيحت فرص عمل جديدة في مجالات الضيافة والإرشاد السياحي والحرف اليدوية والمأكولات التقليدية.
وأصبحت العديد من الأسر تعتمد على السياحة كمصدر رئيسي للدخل، بعد أن كانت تعتمد سابقاً على الزراعة التقليدية فقط.
وقد تم تطوير برامج تدريبية للشباب والنساء في مجالات التسويق الإلكتروني والتصوير الفوتوغرافي وإدارة المشاريع الصغيرة، ما عزز من روح المبادرة والإبداع داخل المجتمع المحلي.
كما أشار المتحدثون إلى أن تجربة هوانغ لينغ أصبحت نموذجاً وطنياً في إطار مبادرة “إحياء القرى الصينية” التي أطلقتها الحكومة لتعزيز التنمية المتوازنة بين الحضر والريف.
فقد استطاعت القرية أن تجمع بين الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي مثل العادات الشعبية والمهرجانات التقليدية، وبين تبني التكنولوجيا الحديثة في مجالات الطاقة المتجددة والنقل الذكي والإدارة الرقمية للمواقع السياحية.
ويُعد هذا التوازن أحد أسرار نجاح القرية في جذب ملايين الزوار سنوياً دون الإضرار ببيئتها الطبيعية أو فقدانها لروحها الأصيلة.
وفي تصريحات لأعضاء الوفد الصحفي عقب الزيارة، أعرب المشاركون عن إعجابهم العميق بالتجربة الصينية في تنمية الريف والحفاظ على التراث، مؤكدين أن ما شاهدوه في هوانغ لينغ يعكس نموذجاً يحتذى به في الجمع بين الأصالة والحداثة.
وقالوا إن القرية تمثل “دليلاً حياً على أن التنمية لا تعني هدم الماضي، بل إعادة إحيائه بروح جديدة”.
وأضافوا أن جمال المكان لا يقتصر على طبيعته الخلابة، بل يمتد إلى روح التعاون بين الأهالي الذين يعملون معاً من أجل مستقبل أفضل لقريتهم.
و كانت القرية في الماضي معزولة إلى حد كبير، لكن مع تطوير البنية التحتية وتحسين الطرق والمرافق، أصبحت تستقبل آلاف الزوار سنوياً، ما ساعد في نشر ثقافة القرية الصينية وتعريف العالم بجمالها الطبيعي وتراثها الإنساني.
وساعدت السياحة الرقمية السكان في بيع منتجاتهم المحلية عبر الإنترنت، مما فتح أمامهم آفاقاً اقتصادية جديدة.
وتُعد تجربة هوانغ لينغ مثالاً حيًّا على قدرة القرى الصينية على تحويل ماضيها إلى مصدر فخر ومستقبلها إلى نموذج للتنمية المستدامة.
ففي الوقت الذي تزدحم فيه المدن الكبرى بالتكنولوجيا الحديثة وصخب الحياة العصرية، تظل قرية مثل هوانغ لينغ شاهدة على أن البساطة والجمال الطبيعي يمكن أن يكونا جسرًا يربط بين الإنسان وجذوره، وبين التاريخ والحاضر في تناغم نادر.
وفي ختام الزيارة، عبّر الوفد الصحفي عن تقديره العميق على تنظيم هذه الجولة التي أتاحت لهم فرصة نادرة للاطلاع على تجربة التنمية الريفية في الصين عن قرب.
وأشادوا بحسن الاستقبال والتنظيم والدقة في عرض المعلومات، مؤكدين أن ما شاهدوه في هوانغ لينغ يجسد بوضوح رؤية الصين في تحقيق التوازن بين حماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الثقافي والسياحي.
بهذه الزيارة، لم يكتفِ الوفد الصحفي بتغطية قصة نجاح قرية، بل لمس عن قرب قصة وطن يسعى بكل جهده للحفاظ على تراثه وصقل حضارته بروح العصر.
وبين أزقة هوانغ لينغ القديمة وسلال المحاصيل التي تجف على الشرفات الخشبية، اكتشف الوفد أن سحر الصين لا يكمن فقط في مدنها الكبرى، بل أيضاً في قراها الصغيرة التي تروي حكايات آلاف السنين من العمل والحلم والحنين.