20 - 10 - 2025

القائد والحصان الأبيض

القائد والحصان الأبيض

هل ما زلت تنتظر المخلّص أو القائد الهمام على ظهر حصانه الأبيض؟

هل تعيش على أنقاض ماضِ ولى، وانقرضت معه تلك الصورة الخزعبلية عن القائد الفرد؟

في عصر الذكاء الاصطناعي، وحكم الخوارزميات لعالمِ يخضع بأغلبيته تحت براثن تكنولوجيا تديرها أيادِ بعيدة كل البعد عن أهدافنا ومصالحنا، أصبحت الدول تدار بالبيانات والإحصاءات، لا بالمشاعر والانسانيات، لم يعد الفرد المهم، بل الكل، وإن ضاع الفرد في الطريق.

يُزعم أن المنظومة الرقمية قادرة على إدارة دولة كاملة بكفاءة ودون أخطاء بشرية، لكن هل فكّر هؤلاء في أهمية الضمير، التردد، الندم؟، هل تفكروا في عواقب أن يكون الحاكم آله تسير وفق خطط وإحصاءات لا تشبع أو تروي لا إنساناً؟ هل ستعاقب الآلة السياسية الجديدة المخطئ بالسجن، أم بالإقصاء كما نفعل مع ملف لا لم نعد نرغب في وجوده؟

هذا لا يمنع استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة في المنظومة الادارية والسياسية، فالانتخابات لم تعد برامج وأفكار بل أنظمة رقمية تتنبأ بسلوك الناخبين وكيفية اعادة تشكيله، صياغة الخطابات الجماهيرية عبارة عن رسائل مُصممة خصيصاً للتحكم في العقل؛ والتي لا يشترط أن تكون مباشرة وسط الجماهير فقد تكون رسالة تصل الى الهاتف الشخصي، كما تستخدم في تحديد مواعيد تناسب أحداث سياسية هامة، وأيضاً مراقبة ما يحاك خلف الأبواب، وكل نظام ودرجة تقدمة في استخدام هذه الوسائل والتقنيات الحديثة.

في العالم العربي يتم الأمر ببطء أكبر، يتعامل معه كعملية إدارة "بيانات بشرية" لا حوار عقول، لا تُقيّم أفعاله بطرق علمية سليمة، فمواقع التواصل الاجتماعي بكل منصاتها؛ تتحول يومياً إلى ساحات تصويتية، تعاقب هذا وتكافيء ذاك، تتحول التعليقات إلى سيوف، والإنسان إلى رقم داخل قطيع يحركه الطرف المتلاعب بهذه التكنولوجيا، يرفع شعارات تتناقل لتصير ترند بلا دليل سوى اللقطة المقصودة، يتحول الخبر الى وسيلة للتفاعل بغض النظر عن مدى صدقه، تتحول الحقيقة إلى سلعة يتلاعب بها، ينجم هذا ويقتل ذاك، يرفع هذا إلى منصب القائد ويدوس على ذاك لافتقاره أبسط قواعد دعاية جذب الجمهور، تحولنا إلى خوارزمية تختزن ميولك السياسية والشخصية، أسباب إثارة غضبك أو فرحك، ما يؤثر في رأيك وقرارك، ما قد يدفعك لتحطيم كل ما حولك، قبل حتى أن تعرفها أنت!

تتحول الحرية إلى وهم جميل، مقتنعين أننا نختار، نقرر، لكن هل هذا ما يحدث أم أن هذه المنصات وما ومن خلفها المدعين للحياد هم ما دفعونا إلى ما قررناه أو اخترناه، بعدما همش الوعي العام ليسهل انقياده وتوجيهه.

حولت المنظومة الرقمية وتوابعها؛ الحياة إلى أسهل من السهل، القرارات أدق، المستقبل قابل للتنبؤ، لكن ما الثمن؟ سلمنا طواعية في مقابل ماذا؟ هل يكفي فقدنا جوهرنا الانساني؛ الحرية، التخبط أحيانا، أم نستيقظ يوماً على تحولنا إلى كود داخل نظام يتكلم بلغة البرمجة؟

ربما علينا تَقبل أن العالم يقوم على الأخطاء البشرية، فهي من تشكل وعينا وحريتنا، منها نتعلم كيف نصلح ونتخطى الصعوبات للنهوض بالأمم، كل هذا تحت لواء قائد لا يمتطى الحصان الأبيض، بل إنسان واعٍ ومسؤول.
----------------------------
بقلم: إنچي مطاوع

مقالات اخرى للكاتب

القائد والحصان الأبيض