18 - 10 - 2025

جينغدتشن تُبهر العالم.. أكثر من 430 ألف زائر و6.5 مليار يوان معاملات بمعرض الصين الدولي للخزف

جينغدتشن تُبهر العالم.. أكثر من 430 ألف زائر و6.5 مليار يوان معاملات بمعرض الصين الدولي للخزف

في صباح مشرق 18 أكتوبر، ارتدت مدينة جينغدتشن حُلّتها الفنية لتستقبل رواد الخزف والفنون من مختلف قارات العالم، معلنة انطلاق معرض الصين الدولي للخزف 2025 تحت شعار "كرنفال الخزف 1819"، ذلك الحدث الذي لم يعد مجرد معرضٍ للحرف، بل احتفال عالمي بالحضارة والجمال والإبداع الإنساني، ومهرجانًا ثقافيًا يربط الماضي المجيد بالحاضر المبتكر.

تُعد جينغدتشن، الواقعة في مقاطعة جيانغشي بشرقي الصين، من أعرق المدن في تاريخ الصين والعالم، إذ يعود إرثها في صناعة الخزف إلى أكثر من ألفي عام، مما منحها عن جدارة لقب "موطن البورسلين لآلاف السنين".

واليوم، تُثبت هذه المدينة مرة أخرى أنها قادرة على الجمع بين الأصالة التاريخية والابتكار المعاصر، لتكون جسرًا يربط الحرفية التقليدية بالتكنولوجيا الحديثة، ويُعيد تقديم الصين للعالم كعاصمة للجمال الفني والتميز الصناعي.

مشاركة عالمية غير مسبوقة

شهدت الدورة الحالية مشاركة استثنائية وغير مسبوقة على الإطلاق، إذ اجتمع 841 فنانًا أجنبيًا من 42 دولة في جينغدتشن للمشاركة في هذا الكرنفال الفني الضخم، إلى جانب أكثر من 1000 ضيف أجنبي، بزيادة تُقدّر بـ 10% عن الدورة السابقة.

واستقطب المعرض علامات تجارية شهيرة من أكثر من 30 دولة، منها اليابان وألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الشركات الصينية العريقة في صناعة السيراميك، واستوديوهات فنية ناشئة تسعى إلى الدمج بين روح الحرفة القديمة والتصميم العصري.

في هذا العام، تميز المعرض أيضًا بحضور رفيع المستوى، حيث تمت دعوة الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون، وممثلي السلك الدبلوماسي لـ 15 دولة، إلى جانب رئيس المجلس العالمي للحرف اليدوية، ونائب رئيس الجمعية الدولية للفخار، إضافة إلى 35 خبيرًا وأكاديميًا من كبار المتخصصين في فنون الخزف حول العالم، فضلًا عن صحفيين أجانب من 16 دولة جاءوا لتوثيق هذا الحدث الفني الاستثنائي.

عرض للحرفية والإبداع 

يضم المعرض هذا العام أكثر من 2000 جناح عرض تمتد على مساحة تتجاوز 140 ألف متر مربع، في زيادة بلغت 33% عن العام الماضي.

وتنوّعت الأجنحة بين العلامات التجارية العالمية والأفران الشهيرة والخزف الفني والسيراميك عالي التقنية، إلى جانب أقسام متخصصة للأعمال الإبداعية والمشروعات البحثية.

وقد عكست هذه المعروضات الطفرة الحرفية والتقنية التي وصلت إليها صناعة الخزف الصينية، حيث اندمجت التكنولوجيا الحديثة مع الروح الفنية التي تميّز تاريخ جينغدتشن، لتقدّم للعالم نموذجًا فريدًا لصناعة تجمع بين الجمال، الدقة، والابتكار.

كرنفال الخزف 1819

يقدّم المعرض هذا العام سلسلة من الفعاليات المبهرة ضمن برنامج “كرنفال الخزف 1819”، أبرزها مواكب العربات المزينة بالزهور التي تجوب شوارع المدينة، وحفل توزيع جوائز جينغدتشن الكبرى للخزف، إضافة إلى ليالي السمر الفنية التي تمزج بين الموسيقى والعروض الثقافية المستوحاة من روح السيراميك الصيني، فضلًا عن أسواق المنتجات الثقافية والإبداعية التي تُعرض فيها قطع فنية نادرة تعبّر عن جمال الحرفة الصينية وتنوعها.

كما يشكل الكرنفال جسرًا حضاريًا يربط الثقافات، حيث اجتمع الفنانون من القارات الخمس لتبادل الخبرات الفنية وإحياء التراث العالمي من خلال لغة الخزف، في مشهد يعكس التقاء الحضارات تحت سقف واحد من الإبداع والجمال.

رؤية الرئيس شي جين بينغ

حين زار الرئيس الصيني شي جين بينغ مدينة جينغدتشن في 11 أكتوبر 2023، قال في كلمته التي ما زالت تُلهم الحرفيين والفنانين حتى اليوم: "السيراميك كنز من كنوز الصين، وبطاقة تعريف مهمة بالحضارة الصينية أمام العالم".

وأكد الرئيس شي في ذلك الوقت على ضرورة استقطاب المواهب من جميع المجالات، وتعزيز الإبداع والتصميم الفني والبحث العلمي لتطوير صناعة السيراميك وتوسيع نطاق تأثيرها العالمي.

ودعا إلى جعل لقب "موطن الخزف لآلاف السنين" أكثر بريقًا وتأثيرًا في الداخل والخارج، باعتباره رمزًا للهوية الصينية وواجهة حضارية للتبادل الثقافي.

وقد تحولت هذه الرؤية إلى خارطة طريق واضحة تسير عليها المدينة اليوم، إذ تنفذ جينغدتشن تحت قيادة الحزب والحكومة الصينية، مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة، وتعمل على فتح أبوابها أمام العالم عبر نهج الانفتاح الثقافي والاقتصادي، بما يجعلها رائدة في الصناعات الإبداعية العالمية.

وتعتمد جينغدتشن في نهضتها الحديثة على استراتيجية ثلاثية الأبعاد ترتكز على، تأسيس المدينة بالثقافة عبر الحفاظ على الإرث الفني والحرفي التاريخي، تعزيزها بالصناعة من خلال تطوير الأفران والمصانع وتحفيز الإنتاج المبتكر، وتنشيطها بالتجارة عبر تحويل المعارض إلى منصات دولية للتبادل الفني والتجاري.

هذه الرؤية المتكاملة جعلت من جينغدتشن مدينة تجمع بين الاقتصاد والإبداع، وبين التجارة والثقافة، لتصبح نموذجًا صينيًا ملهِمًا في التنمية المستدامة التي ترتكز على التراث والابتكار في آنٍ واحد.

أرقام قياسية 

حقق معرض الصين الدولي للخزف هذا العام نتائج غير مسبوقة، إذ بلغ عدد الزوار أكثر من 430 ألف شخص، فيما وصل حجم مبيعات التجزئة إلى 255 مليون يوان، وطلبات المعاملات التجارية إلى 2.25 مليار يوان، بينما بلغ إجمالي حجم المعاملات التراكمي نحو 6.5 مليار يوان.

هذه الأرقام المذهلة تعكس ليس فقط الازدهار الاقتصادي الذي تشهده جينغدتشن، بل أيضًا قوة الصناعة الثقافية الصينية التي باتت تنافس عالميًا، لتؤكد أن الخزف لم يعد حرفة تقليدية فحسب، بل قطاعًا استراتيجيًا يجمع بين الفن، والاقتصاد، والابتكار.

دمج التكنولوجيا بالحرفة

في مشهد يجسد التقاء الماضي بالمستقبل، شهد المعرض هذا العام اندماجًا فريدًا بين الأسواق التقليدية والمنصات الرقمية، حيث أُقيمت فعاليات البث المباشر عبر الإنترنت تحت شعار “اختيار البريد الشرقي لرؤية العالم”، والتي سمحت لملايين المتابعين حول العالم بمتابعة المعرض لحظة بلحظة، ورؤية إبداعات الفنانين والحرفيين الصينيين في الوقت الحقيقي.

كما امتلأت أروقة المعرض بالحياة والنشاط، حيث قدّم الفنانون عروضًا حية لصناعة القطع الخزفية، وسط تفاعل كبير من الزوار الذين تنقلوا بين الأكشاك التي تجاوز عددها 2000، ليعيشوا تجربة ثقافية غامرة تدمج بين الفن والحرفة والتكنولوجيا.

زيارة كبار الشخصيات وإشادة عالمية

حظي المعرض بزيارة شخصيات اقتصادية وصناعية بارزة، من بينها دونغ مينغ تشو ومينغ مينهونغ، اللذان أشادا بجودة المنتجات وروعة التصاميم، وأكدا أن السيراميك القادم من جينغدتشن يجسد الروح الصينية الأصيلة والدقة الرفيعة في الحرفة.

وقد تحولت ساحات المعرض إلى ملتقى عالمي للتعاون الفني والتجاري، حيث وُقّعت عدة اتفاقيات تعاون بين شركات صينية وأجنبية في مجال الصناعات الثقافية والتسويق الدولي للمنتجات الخزفية.

السيراميك.. لغة الفن وجسر الحضارات

لم تعد جينغدتشن مجرد مدينة صناعية تقليدية، بل أصبحت اليوم رمزًا للتفاعل الثقافي بين الشرق والغرب.

فالسيراميك الذي يخرج من أفرانها لا يُقاس بثمنه المادي، بل بقيمة رسالته الإنسانية التي تنشر الجمال والسلام عبر الفن.

ومن خلال معرض الصين الدولي للخزف 2025، تؤكد الصين أن الفن هو أقوى لغات التواصل بين الشعوب، وأن الإبداع قادر على بناء جسور التفاهم بين الحضارات.

في نهاية اليوم الافتتاحي، أقيم حفل رسمي على شرف عمدة جينغدتشن بمشاركة الوفود الدولية، في أجواء احتفالية جسدت روح الضيافة الصينية.

وهكذا، تواصل جينغدتشن بعراقتها وابتكارها وبدعم رؤى الرئيس شي جين بينغ كتابة فصل جديد من تاريخها المشرق، مؤكدة أن الطين الذي صيغ بالحرفة والإبداع قادر على أن يصنع الحضارة، وأن من أفرانها تتوهج أنوار الفن الصيني نحو العالم بأسره.

و بهذا المعرض، تُثبت جينغدتشن أن الخزف ليس مجرد صناعة، بل رسالة إنسانية خالدة تُجسّد التقاء الحضارات وخلود الإبداع الصيني عبر العصور.