إن المفكر الحقيقي هو الذي يعايش الواقع ولا ينفصل عنه، بل يجعل قضاياه مادة ثرية يطوعها لخدمة هذا الواقع لمحاولة إيجاد حلول ناجعة لها.
كما أن الكاتب المدقق لا يؤمن بنظرية المؤامرة أو يخوض مع الخائضين الذين لا هم لهم ليلا ونهارا إلا الكلام ، القيل والقال ، أولئك الذين يصدق عليهم قوله تعالى (لم تقولون ما لا تفعلون)، دأبهم وديدنهم تثبيط الهمم وتقزيم والحط من شأن أي عمل ينجز على أرض الواقع .
وهؤلاء للأسف كثر في مؤسساتنا الحكومية ، بل هم كثر ويحيون بيننا ، فعندما يذكر (س)، أو (ص)، بمنجزاته سواء كانت علمية أو إقتصادية أو ثقافية أو قاما بعمل إجتماعي يفيد أبناء المجتمع ، تجدهم يضعون أنوفهم دون أن يطلب أحد رأيهم ، فيقولون نعم فعل فلان عمل جيد لولا كذا وكذا ، ويطرح مبررات واهية ، تجعل شهود الموقف يزدرون أفاعيله.
وهذا للأسف حال كثير من بني جلدتنا في مصرنا الحبيبة، وإن جاز لي أن أسميهم أعداء النجاح الذين لا يريدون لنا التفوق والتقدم سواء على المستوى الشخصي أو المستوى الجمعي.
ومن هذا المنطلق فإننا نقول لهؤلاء قفوا عند منتهاكم ، لكم أن تقولوا كلمة طيبة أو اسكتوا هو خير لكم.
ونقول لأصحاب الإنجازات سيروا على بركة الله في طريقكم ولا تلتفوا إلى هؤلاء المثبطين ، وإن كانت هناك بعض الهنات فجميعنا بشر ولسنا معصومون ، فلتعالجوا هذه الأخطاء ولتستمروا في سعيكم ولن يتركم الله أعمالكم.
أما بخصوص تجربتي مع ماسبيرو ، مبنى الإذاعة والتليفزيون الكائن شامخا مطلا على النيل الخالد ، فلي معه عدة وقفات :
الوقفة الأولي ، أنني لا أعرف حتى اسم رئيسه الحالي أو السابق ، حتى لا يتهمنا أحد بالتملق لأحد ، فما كانت تعنيني الأسماء قدر عنايتي بالبرامج التي كنت أدعى إليها ، من حيث المادة الإعلامية التي سنقدمها للمستمع الكريم في إذاعة البرنامج الثقافي سواء برنامج نافذة للحوار لايف على الهواء مباشرة وكان يعرض من التاسعة إلى العاشرة مساء على الهواء كل يوم سبت ، أو برنامج نظرات فى الاستشراق تسجيلات استديو 30، أو الفترة المفتوحة ، وفقرة بلا حدود على الهواء مباشرة من الثالثة إلى الرابعة والربع على الهواء كل يوم خميس ، أو من خلال مداخلاتي في برنامج عرب فيسبوك على الهواء إذاعات صوت العربية ، أو إذاعة صوت فلسطين.
هذا بالنسبة للإذاعة المصرية أما التليفزيون ، فكنت دوما أدعى لبرنامجين ، أحدهما على القناة الثانية الذي هو فى الأصل كان خاصا بالقناة الأولى، بعدما ضمت برامج القناتين معا، وهذه إحدي المساويء ، فكانت حلقات برنامج رؤية تذاع الرابعة صباحا ، فكيف ببرنامج ثقافي يقدم مادة علمية معتبرة، له أسرة إعداد غاية فى الدقة وأسرة إخراج أروع مع مذيعة مثقفة جدا، كيف يذاع الرابعة صباحا، وهذه علامة استفهام كبرى.؟!
كذلك برنامج بالريشة والقلم على القناة الثالثة الذي قدمته على حظي الجميل إعلامية متميزة ، لكن كان موعد إذاعته متأخرا أيضا.
فكيف نتحدث عن الثقافة والآداب والفنون والقيم الخلقية وتذاع هذه الحلقات في ساعات متأخرة من الليل والناس نيام، وكأننا نقول لا تشاهدونا أو نقول لهم إذا أردتم الإستفادة فاسهروا للصباح لنذنبهم أمام شاشات التلفزيون.
لذا أتمنى أن تعالج هذه الأخطاء حتى يستفيد الجمهور من علم الأساتذة كل في تخصصه.
الوقفة الثانية ، بوابة 4، بوابة الدخول الرئيسية لماسبيرو ، يتمتع أفراد الأمن بدقة عالية ومهارة في الكشف عن هوية الضيف ، فضلا عن حسن الاستقبال ، ويحضرني موقف طريف ، أبرزت تحقيق شخصيتي بطاقة الرقم القومي، وبحث الرجل المحترم على الكمبيوتر الذي أمامه، ويبدو أن الإعداد نسي أن يعطيهم تصريح دخولي، فاتصل بأمن الاستديوهات، استديوهات البرنامج الثقافي، فنزل على الفور الموظف بتصريح دخولي، الشاهد، فى الموضوع ، دقة التفتيش فليس كل من هب ودب يمر ويدخل، وإنما هناك كارت دخول تمر به من ماكينات يقف عليها موظف محترم قمة في الأدب والأخلاق.
الوقفة الثالثة ، كرم الضيافة، لا انتظروا، أقصد كرم ضيافة المعدين والمذيعين ، لا كرم ضيافة البرامج ذاتها، فالمياه والقهوة كان يدفع ثمنهما إما المذيع أو المعد وفي آحايين كثيرة كنت أصل مبكرا فأنتظر فى الكافتيريا فيحاسب الضيف على المشاريب، فضلا عن أننا كنا نذهب على حسابنا، وعلى حد علمي أنه كانت هناك سيارة تأتي بالضيف سابقا من مكان إقامته، فضلا عن مكافأة مادية يسيرة كانت تعطى للضيف على هيئة استمارة يملأها وتضاف لاحقا إلى حسابه أو يقوموا بتجميع لقاءاته ويرسلوا له شيكا باسمه، لكن انتهى ذلك تماما الآن، فلا يوجد أكثر من كلمة شكرا نسمعها من المذيع والمعد والمخرج، وهذا ما أدى إلى احجام كثير من الأساتذة إلى الذهاب إلى ماسبيرو إذا ما دعو لذلك، وأنا واحد منهم.
ومن هذا المنطلق أهيب بالسادة المسؤولين عن ماسبيرو، إذاعة وتليفزيونا أن يعطوا الضيف حقه ولو حتى بتكريم معنوي يكون حافزا له على المجئ مرة أخرى، خصوصا أنني حضرت لقاءات مع ضيوف أفاضل أتوا من سفر، من خارج القاهرة.
أما الوقفة الرابعة، وهذه تعد سبة في حق ماسبيرو العظيم الذي شهد عمالقة الإذاعة والتليفزيون، وشهد أعظم اللقاءات مع علماء وأدباء وكتاب وعلماء دين ملأوا الدنيا علما وأدبا وفقها، فهل يعقل أن تجلس في إحدي استديوهات الإذاعة على كراسي جلد مهلهلة، مكسورة، هل يليق بهذا الصرح العملاق أن تكون مرافقة الحيوية بالية، الحمامات، صنابر المياة، النظافة، وقفت ذات يوم متعجبا، هل هذا مبني الإذاعة والتليفزيون الذي كنا نسمع عنه ونحن صغار، وكنا نمر من أمامه فنشعر بالسعادة والفخر، ما الذي أصابه.؟!
أتمنى من القائمين عليه الآن أن يعيدوا له هيبته وبريقه ولمعانه.
الوقفة الخامسة، هل نريد حقا تطوير ماسبيرو والعودة به إلى سيرته الأولى، إذا أردنا ذلك حقا فلتنتبهوا إلى مقولاتي الآتية جيدا التي سأقولها وأجري على الله.
أولاها، دعو إدارته الجديدة تعمل ولا تعرقلوا مسيرتها ولا تتقولوا عليها الأقاويل فالذي اختار هذه القيادات الدولة ، والدولة بها أجهزة غاية فى الأهمية وتقوم بالفرز جيدا قبل أن تضع شخوصا بعينها في أماكن حساسة، أما إذا كانت هناك أخطاء فيجب التنبيه عليها والتوجيه والإرشاد حتى يتم وضع الأيدي على الداء من أجل إيجاد دواء ناجع له.
ثانيتها ، توجيه الأنظار إلى الشباب من المذيعين والمذيعات واعطائهم فرصهم ، وعدم تكرار وجوه بعينها سئمها المشاهد الكريم، لا أقول على مستوى المذيعين فقط ، بل الإعداد والإخراج وحتى مهندسين الديكور والفنيين ، ابحثوا عن الوجوه الجديدة.
ثالثتها ، الدعم المادي للكوادر الإعلامية، بدل مظهر، بدل انتقال، فكيف نطالبهم بالظهور بمنظر حسن جميل ولا ننفق عليهم، إن هذا لشئ عجاب، فمعظمهم لا يعمل فى الإعلام الخاص وليست لديهم دخول أخرى سوى رواتبهم، فهل رواتبهم ستكفي.
رابعتها، اطرحوا الوساطة والمحسوبية أرضا، وأعطوا كل ذي حق حقه، من تجدون فيه الموهبة عينوه بعد عصره في اختبارات فى الثقافة العامة، فى اللغة، في سرعة البداهة والحضور.
خامستها، اعقدوا دورات تدريبية لجميع الاصطافات، كل في مجال تخصصه.
وأخيرا إن نهضة ماسبيرو لن تحدث إلا بتضافر الجهود ، وترك الشحناء والضغائن والترفع عن الصغائر.
-----------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.
من المشهد الأسبوعية
العدد 342 من المشهد الأسبوعية ص 2