مع بداية كل شهر، ومع نزول المرتبات والمعاشات، يتكرر مشهد مأساوي أمام ماكينات الصرف الآلي المنتشرة في الشوارع والميادين: طوابير طويلة، أعصاب مشدودة، وماكينات متوقفة عن العمل أو فارغة من النقد، لتتحول التكنولوجيا التي كان من المفترض أن تسهّل حياة الناس، إلى عبء جديد يضاعف معاناتهم.
المواطنون من مختلف الأعمار، رجالًا ونساءً، كبارًا في السن وموظفين، يقفون بالساعات تحت أشعة الشمس أو في برودة الليل القارس، في انتظار "معجزة" تشغيل الماكينات أو تغذيتها بالأموال. ولكن غالبًا ما يخرجون بخفي حنين، بعد أن يكتشفوا أن ماكينة البنك التي قصدها العشرات لا تعمل أو أن رصيدها قد نفد بالفعل.
"البهدلة بقت عادة"
يقول محمود عبد الحميد، موظف حكومي، إنه يقضي أحيانًا أكثر من ثلاث ساعات في محاولة صرف راتبه، متنقلًا من ماكينة لأخرى داخل المدينة دون جدوى، مضيفًا بلهجة غاضبة: "معقول كل شهر نفس القصة؟ مفيش صيانة ولا متابعة؟ ليه الناس لازم تتبهدل عشان تصرف حقها؟"
أما الحاجة أمينة، وهي سيدة ستينية تتقاضى معاشها من إحدى ماكينات البنوك، فتؤكد أن الأمر تحول إلى كابوس: "نقف في الطوابير بالساعات، وبعدين ييجوا يقولوا الماكينة مش شغالة أو مفيش فلوس. طب إحنا نعمل إيه؟"
أزمة إدارية قبل أن تكون تقنية
ويرى خبراء أن المشكلة لا تكمن فقط في الأعطال المفاجئة للماكينات، بل في غياب التخطيط المسبق لتأمين السيولة النقدية الكافية مع بداية كل شهر، حيث تتزايد عمليات السحب بشكل ملحوظ. كما أن ضعف الصيانة الدورية وترك الماكينات تتعطل دون سرعة استجابة، يزيد الوضع سوءًا.
المواطنون يطالبون البنوك المعنية بعدة خطوات عاجلة:
تكثيف أعمال الصيانة الدورية قبل بداية كل شهر.
تغذية الماكينات بالنقد الكافي طوال فترة صرف المرتبات والمعاشات.
زيادة أعداد الماكينات خصوصًا في القرى والمراكز المزدحمة.
توفير فرق فنية متنقلة للتعامل مع الأعطال المفاجئة في وقت قصير.
مناشدة لمن يهمه الأمر
الأزمة تتجدد كل شهر، والناس تعاني في صمت. فهل تتحرك الجهات المعنية لإنهاء هذه البهدلة؟ هل يُعقل أن تظل التكنولوجيا التي يفترض أنها جاءت للتيسير، سببًا رئيسيًا في معاناة البسطاء؟
النداء موجه إلى البنوك المركزية والفروع المحلية: إما أن تتم إدارة هذه المنظومة بكفاءة ورحمة، أو أن يعود الصرف اليدوي كما كان في السابق، طالما أن التطور لم يحقق الغرض منه، بل زاد من أوجاع الناس.
-----------------------
من المشهد الأسبوعية
العدد 342 من المشهد الأسبوعية ص 1