المسلم المتحول متهم والمسيحي المتخلي مطارد.. والمجتمع سيف على الرقاب
- سعيد فايز: حرية الاعتقاد " في الصدور فقط".. والتحول عن الإسلام "مرفوض قضائيا" والمرتد يعامل كالميت بلا حقوق
- أحمد الشيخ: لا إكراه في الدخول إلى الإسلام.. أما الخروج منه ففساد في الأرض وخلل في النظام.. والردة جريمة دينية
- روبير الفارس: المصريون يعبدون الدين لا الله.. وحرية العقيدة مستحيلة في بلد يعتبر الإيمان شرفًا لا اختيارًا
رغم أن الدستور المصري ينص صراحة على أن حرية العقيدة مكفولة في (المادة 64).. الا أن الواقع يضع خطوطا حمراء غير معلنة، تجعل من حرية اختيار الدين أو تغييره مجرد شعار فارغ، الدستور يقول كلمة بينما الممارسات اليومية سواء من الدولة أو من المجتمع تقول كلمة أخرى تماما..
التحول من الإسلام إلى المسيحية يواجه دائما حصارا أمنيا ومراقبة لصيقة وتهديدات بالحبس والمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان أو اثارة الفتنة الطائفية.. بينما التحول من المسيحية إلى الاسلام يجري بسهولة على الورق لكن أصحابه لا يسلمون من نظرات الريبة من الكنيسة أو الملاحقة المجتمعية.. و في الحالتين يصبح الفرد المتحول متهما أو مطاردا وكأن الخروج عن الدين الذي ولد عليه هو خطيئة لا تغتفر..
تناقض بين النصوص القانونية والممارسة الواقعية
القانون المصري لا يعترف صراحة بحرية تغيير الدين بل يكتفي بصياغات فضفاضة عن حرية الاعتقاد، الأحكام القضائية غالبا ما تفرق بين حرية الاعتقاد الداخلي، وحرية ممارسة الشعائر ، ما يفتح الباب لتقييد أي ممارسة علنية للخروج من الدين..
القضاء الإداري على سبيل المثال أصدر أحكاما متناقضة في هذا الملف.. ففي 2007 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما في قضية الـ 12 قبطيا الذين أعلنوا تحولهم من الإسلام إلى المسيحية ورفضت المحكمة الاعتراف بتغيير ديانتهم في الأوراق الرسمية معتبرة أن العودة من الإسلام لاي دين اخر غير مسموح بها وفق النظام العام ، في المقابل أي مواطن مسيحي يريد تسجيل دخوله في الاسلام يحصل على أوراقه بسهولة وأحيانا في يوم واحد لكن مشكلته تبدأ من بيته ومجتمعه..
المسيحيون المتحولون للإسلام.. الوجه الاخر للمأساة
رغم ما يشاع عن أن الباب مفتوح لمن يريد الدخول في الإسلام إلا ان الواقع يكشف عن مأساة أخرى، الكنيسة تعتبر الأمر خيانة وجودية.. والأسر تعامل أبناءها كأنهم ماتوا.. كثير من القصص تسربت للإعلام خلال العقدين الماضيين.. فتيات اختفين فجأة قيل إنهن أسلمن.. فتحولت قصصهن إلى جدل طائفي واسع بين الكنيسة والأجهزة الأمنية.. في بعض الحالات تدخل الأمن ليحمي الفتيات من أسرهن أو ليعيدهن إلى ذويهن خشية انفجار طائفي.. لكن النتيجة النهائية واحدة، الشخص الذي يختار أن يغير دينه يعيش في عزلة اجتماعية كاملة.. مهددا بالرفض من عائلته ومراقبا من الدولة.
في الاتجاه المعاكس المسلم المتحول إلى المسيحية يعيش في منطقة رمادية، الدولة لا تعترف به والكنيسة لا تستطيع حمايته علنا والمجتمع يراه خائنا لدينه وهويته.. التهم الجاهزة تبدأ من ازدراء الدين ولا تنتهي عند الاضرار بالوحدة الوطنية..
أشهر مثال هو قضية محمد حجازي في 2007 أول مسلم يرفع دعوى قضائية لتغيير ديانته إلى المسيحية في البطاقة، القضية تحولت إلى عاصفة إعلامية اتهم فيها بازدراء الإسلام وظل مطاردا لسنوات ثم اختفى من المشهد.. قصته كشفت كيف أن التحول من الإسلام إلى أي دين آخر مسألة محرمة قانونيا وأمنيا واجتماعيا..
تصريحات متناقضة
شيخ الأزهر الأسبق محمد سيد طنطاوي قال في التسعينيات إن الحرية الدينية تشمل حق المسلم في تغيير دينه.. لكنه واجه رفضا واسعا من علماء اخرين اعتبروا الردة جريمة شرعية...
وعلى الجانب المسيحي قيادات كنسية أكدت مرارا أن الكنيسة لا تعترف بخروج أبنائها.. وأن من يترك المسيحية يقطع نفسه عن جسد المسيح.. وهو تعبير لاهوتي لكنه يتحول إلى حكم اجتماعي قاس...
الدولة في بياناتها الرسمية تكرر الحديث عن حرية العقيدة والوحدة الوطنية لكنها في الممارسة تضع الملف بالكامل في يد الأجهزة الأمنية باعتباره تهديدا للاستقرار..
ما يحدث في مصر هو تطبيق عملي لازدواجية صارخة.. المسيحي الذي يتحول للإسلام.. الدولة تعترف والكنيسة تحاصر والمجتمع يطرد..
اما المسلم الذي يتحول للمسيحية.. الدولة ترفض الاعتراف والأمن يراقب والمجتمع يهدد..
في كلتا الحالتين، النتيجة واحدة.. لا حرية حقيقية للعقيدة بل فقط مساحة ضيقة مشروطة بالولادة والانتماء الطائفي...
تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكية (USCIRF) يضع مصر باستمرار في قائمة الدول التي تفرض قيودا صارمة على حرية العقيدة.. مشيرا إلى أن التحول الديني في مصر محفوف بالمخاطر القانونية والاجتماعية.. كما سبق للاتحاد الأوروبي أن أثار القضية في حوارات حقوق الإنسان مع القاهرة.. لكن الدولة اعتبرتها شؤونا داخلية..
خطاب الدولة الرسمي دائما ما يتحدث عن الوحدة الوطنية والعيش المشترك وحرية العقيدة، لكن الواقع الميداني يفضح هشاشة هذه الشعارات.. فاي محاولة لتغيير الدين تتحول الى قضية أمن دولة.. بينما يبقى الدستور شاهدا صامتا على التناقض بين النصوص والتطبيق..
روبير الفارس
يقول روبير الفارس، الباحث في التاريخ القبطي، إن الحديث عن حرية العقيدة في مصر يظل معلقا بين النصوص الدستورية والواقع الاجتماعي، فبينما ينص الدستور في مادته (64) على أن حرية العقيدة مكفولة مطلقًا، تبقى هذه الحرية شبه مستحيلة في الممارسة، ويشرح الفارس ذلك بقوله إن الدين في مصر ليس مجرد عقيدة، بل مكون أساسي من تكوين الشخصية المصرية منذ فجر الحضارة، فالمصري القديم عاش في ظل ديانة كانت جزءًا من تفاصيل يومه، وامتد هذا الإرث حتى اليوم.. لذلك، فالفكر القبلي والديني السائد، سواء عند المسلمين أو المسيحيين، لا يقبل فكرة تغيير العقيدة ، ويعتبرها عارا يصيب العائلة كلها، قبل أن تكون خيارا شخصيا أو روحيا..
وأضاف أن المشكلة لا تتعلق بالنص القانوني فقط، بل بتناقضه الداخلي، إذ تنص المادة الثانية من الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهو ما يتعارض عمليًا مع حرية العقيدة التي تضمنها المادة 64. “كيف يمكن لدولة أن تقول إنها تضمن حرية الدين بينما تحدد في دستورها دينًا رسميًا؟” يتساءل الفارس، معتبرًا أن القانون هنا يخضع لنفوذ العرف الاجتماعي والديني، وأن المجتمع أقوى من القانون نفسه، لأن الدين هو العمود الفقري للحياة في مصر، ولا تزال الدولة أقرب إلى نموذج “الدولة الدينية” منها إلى الدولة المدنية.
وأشار إلى أن غياب الزواج المدني واحد من أهم الأسباب التي تدفع البعض إلى تغيير ديانتهم، سواء بدافع الزواج أو الانفصال، موضحا أن الزواج الديني في مصر أصبح “إطارا مغلقا” لا مفر منه إلا بتغيير الدين أو الموت. “الزواج المدني مش رفاهية، ده حق إنساني أساسي”، يقول الفارس، موضحًا أن وجود زواج مدني لا يعني إلغاء الزواج الديني، بل يمنح الناس حرية الاختيار.. وأضاف أن احتكار الكنيسة والأزهر لحق توثيق الزواج أعطى سلطة ضخمة للمؤسسات الدينية على حياة الأفراد، “فحين يغضب الكاهن من شخص ما، قد يحرمه من الصلاة عليه أو يرفض تزويجه، بينما من ناحية أخرى يسمح لآخرين بتجاوز القوانين الكنسية ببساطة، وهو ما يخلق إحساسا عميقا بالتمييز”...
ويرى الفارس أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تتحمل جزءًا من المسؤولية، مشيرا إلى أن الانشغال بالطقوس والشكل الخارجي للإيمان جاء على حساب التعليم اللاهوتي العميق، مما أضعف الصلة بين الإيمان والممارسة، وخلق فراغا روحيا سهل على البعض اتخاذ قرار التحول الديني. وقال إن عددا من الفتيات اللاتي تركن المسيحية كن ينتمين إلى أسر كهنوتية، “وهذا في حد ذاته يعكس أزمة داخلية في الخطاب الديني الكنسي”.
ويؤكد أن الموضوع اجتماعي أكثر من كونه عقائديا، لأن المجتمع المصري لا يرى في تغيير الدين فعلًا روحانيا بل “خيانة للشرف”، إذ تعامل الفتاة التي تغير ديانتها كمن “فقدت شرفها”، ويلحق العار بأسرتها كلها.. هناك أسر تمنع بناتها من الزواج بسبب “فضيحة” كهذه، وتتعرض للعزلة والنفي الاجتماعي، في عملية عقاب جماعي قاسية..
ويضيف الفارس أن “حرية الإنسان مكفولة في الأصل المسيحي ذاته، فالانجيل قال: تعرفون الحق والحق يحرركم، وبولس الرسول تحدث عن حرية مجد أولاد الله.. لكن الواقع الاجتماعي يفرض قيودًا قهرية تجعل الانفصال عن الأسرة أو المجتمع شبه مستحيل”.
وعن الضغوط التي يتعرض لها من يغير دينه، أوضح أن أغلبها لا تأتي من الدولة بل من العائلة والمجتمع.. “المتحول دينيا يعيش عزلة قاسية، منبوذ من أهله ومجتمعه، فيضطر لبناء حياة جديدة من الصفر.. لكن المؤلم أن المسيحيين أحيانا يعاقبون بعضهم بعضا أكثر مما يفعل المجتمع الخارجي”. وأشار إلى أن الفئة التي تتقبل حرية العقيدة غالبا ما تكون من المثقفين والفنانين وطبقة اجتماعية عليا “منفصلة عن قاع المجتمع المحافظ”، بينما القاع الشعبي يربط الدين بالشرف والهوية، فلا يتسامح مع الخروج عنه...
واختتم روبير الفارس حديثه مؤكدًا أن مستقبل حرية العقيدة في مصر مرهون بتغير الوعي، لا بالنصوص.. “لن تتغير القوانين إلا إذا تغيرت العقول.. المصريون ما زالوا يأكلون ويشربون دينا، والدين متغلغل حتى في أكثر الفئات فسادا. المجتمع كله يعتقد أنه يملك الحقيقة وحده، وكل طائفة ترى الأخرى ضالة. لذلك، قبل أن نكتب قوانين جديدة، نحن بحاجة إلى تعليم مدني، ووعي يعيد تعريف معنى الحرية”..
الشيخ أحمد الشيخ
لايخرج بعد أن عرف الحق
وفي السياق الديني، علق الشيخ أحمد الشيخ، خطيب بوزارة الأوقاف بالإسكندرية، على مسألة حرية تغيير الدين من منظور إسلامي، مؤكدًا أن النص القرآني واضح في قوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، موضحًا أن هذه الآية تتعلق بحرية الدخول في الإسلام، لكنها لا تشمل حرية الخروج منه، إذ يقول: «لا إكراه في دخول الإسلام، أما من دخل فقد تبين له الرشد من الغي، وليس له أن يخرج بعد أن عرف الحق».
وأضاف الشيخ أحمد الشيخ أن مسألة الردة محسومة بإجماع العلماء، مستندًا إلى الحديث النبوي الشريف: "من بدل دينه فاقتلوه". وأوضح أن تطبيق هذا الحكم ليس لأفراد الناس، وإنما للحاكم وحده، منعًا للفوضى، مشيرًا إلى أن الردة في الإسلام تُعد خروجًا عن الدين، وبالتالي فهي جريمة دينية ذات أبعاد سياسية واجتماعية أيضًا.
وأكد الشيخ أن "حرية الاعتقاد" في الإسلام معناها أن للإنسان حرية الاختيار قبل الدخول في الدين، لقوله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". لكن ما يُسمى بـ"حرية تغيير الدين" لا وجود له في المنظور الشرعي، قائلاً: «هل يُعقل أن ينتقل الإنسان من الرشد إلى الضلال؟ ومن الجنة إلى النار؟».
وأوضح الشيخ أحمد الشيخ أن ما يُثار عن عدم وجود عقوبة دنيوية للمرتد يخالف إجماع الفقهاء القدامى والمعاصرين، إذ لم يقل أحد من العلماء المعتبرين بذلك. وأضاف أن الردة ليست مجرد قضية دينية، بل لها أيضًا أبعاد سياسية وأخلاقية واجتماعية، لما قد تسببه من اضطراب داخل المجتمع المسلم.
وأشار إلى أن الأزهر الشريف يتبنى موقفًا وسطيًا في هذه القضية، موضحًا أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أكد في أكثر من مناسبة أن الردة المعاصرة تأخذ شكل "جريمة الخيانة العظمى" ضد المجتمع، وأن التعامل معها يكون من خلال العقوبات التعزيرية التي يحددها الحاكم بحسب خطورة الحالة. ولفت إلى أن الفقهاء القدامى اتفقوا على أن المرتد يُستتاب أولًا بالحوار والإقناع قبل توقيع أي عقوبة، وأن القتل لا يُطبّق إلا في حالة الجهر بالردة والدعوة إليها، أي عندما تتحول إلى خروج على الجماعة وتهديد للنظام العام.
واستشهد الشيخ أحمد الشيخ برأي الإمام الأكبر في برنامجه "الإمام الطيب"، حيث قال إن الردة إذا كانت مجاهرة وعداءً للمجتمع الإسلامي فهي خيانة كبرى، لكن إن كانت مجرد تراجع شخصي عن الإيمان فهي شأن بين الإنسان وربه، يُعالج بالنصح والإرشاد وليس بالقتل الفوري، مستدلًا بقول النبي حين رأى امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه لتقاتل".
وختم الشيخ أحمد الشيخ حديثه بالتأكيد على أن الإسلام لا يُكره أحدًا على الدخول فيه، لكنه أيضًا لا يقر الخروج منه بعد الإيمان به، مشيرًا إلى أن الردة — في نظر الشريعة — ليست حرية شخصية بل عدوان على العقيدة والمجتمع معًا.
سعيد فايز
التطبيق يختلف
وفي سياق متصل، علق المحامي سعيد فايز، باحث دكتوراه في القانون ومحامٍ بالنقض، على الإشكالية القانونية لحرية تغيير الدين في مصر، مؤكدا أن الدستور المصري يكفل حرية العقيدة في المادة (64) من دستور 2014 بشكل مطلق، لكن التطبيق العملي يختلف تماما.. وأوضح أن الفقهاء والقضاء يميزون بين حرية الاعتقاد وهي حق مطلق يتعلق بما يختاره الإنسان في داخلهوبين حرية ممارسة الشعائر، وهي النشاط الخارجي المعلن، حيث تقع الإشكالية عند إعلان شخص تحوله من الإسلام إلى ديانة أخرى، وهو ما يرفض عادة بدعوى "حماية النظام العام"، استنادا إلى المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع..
وأشار فايز إلى أن حرية الاعتقاد تعني ببساطة "اختيار الإنسان ما يشاء في ضميره"، لكن عند الانتقال إلى الممارسة العلنية يظهر التقييد.. ولفت إلى أن القوانين المصرية لا تتضمن نصا يجرم تغيير الدين من الإسلام إلى غيره، وإنما جاء التضييق من خلال أحكام قضائية واجتهادات فقهية.. واستشهد بقضيتين بارزتين: محمد حجازي وماهر الجوهري (2008–2010)، حيث رفض القضاء الاعتراف بتحولهما للمسيحية، مبررا ذلك بأن "لا توجد جهة قانونية تستطيع أن تصدر ما يفيد بخروج شخص عن الإسلام".. وأضاف أن أحد القضاة ذهب إلى حد القول إن "الأديان رتبت درجات: اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام، ومن غير المتصور أن يترك الإنسان الدين الأعلى إلى الأدنى"، وهو ما اعتبره فايز منطقا خطيرًا يتجاهل جوهر الحريات.
وأكد المحامي أن المحاكم المصرية ترفض تسجيل تغيير الديانة من الإسلام إلى المسيحية لغياب تشريع منظم، بينما تقبل بسهولة التحول من المسيحية إلى الإسلام لأنه منصوص عليه إجرائيا. وبين أن القضاء الإداري باعتباره قضاء "منشئا" استند في أحكامه إلى القاعدة العامة المستمدة من الشريعة الإسلامية التي لا تجيز الخروج من الإسلام.
وحول ما إذا كان هناك نص قانوني صريح يمنع المسلم من تغيير دينه، أوضح فايز أن المسألة "اجتهاد قضائي" وليست قانونا مكتوبا، لكنه أشار إلى وجود تنظيمات قانونية مرتبطة بالديانة، مثل زواج الأجانب، حيث يرفض الموثقون توثيق زواج رجل غير مسلم بامرأة مسلمة إلا إذا أعلن الطرف غير المسلم إسلامه رسميا.
وتحدث أيضا عن دور الأجهزة الأمنية في قضايا التحول الديني، موضحا أن الأمن طرف أساسي لسببين: أولًا لحماية النظام العام خشية اندلاع مواجهات أو عنف طائفي، وثانيا لأن القضاء الإداري استدعى رأي الأجهزة الأمنية والأزهر في آلاف القضايا التي عرفت بقضايا "العائدين للمسيحية" قبل 2011. وقال إن هذا الإدخال المباشر للأمن في المشهد القانوني جعل من مسألة حرية تغيير الدين قضية أمن دولة بالأساس.
أما عن إمكانية اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، فأوضح فايز أن ذلك صعب لأن القضايا الدستورية تتعلق بالطعن في قوانين قائمة، بينما في حالة التحول الديني لا يوجد قانون صريح يحظر الأمر، بل اجتهادات قضائية متراكمة.. ولفت إلى أن كل الدعاوى التي رفعها متحولون إلى المسيحية، مثل محمد حجازي وماهر الجوهري، انتهت بالرفض.
كما أشار إلى أن هناك أحكاما قضائية جزئية اعترفت نسبيا بحرية العقيدة، مثل حكم المحكمة الإدارية العليا في يناير 2011 الذي أجاز للمسيحيين "العائدين" العودة إلى المسيحية بعد اعتناقهم الإسلام، معتبرًا ذلك حقا من حقوق حرية العقيدة. لكنه أوضح أن هذا الحق ظل محدودًا بالمسيحيين فقط، دون أن يشمل المسلمين الذين يتركون الإسلام..
وعن تأثير قضايا التحول الديني على الأطفال، استشهد فايز بقضية ماريو وأندرو (2008–2009)، حيث خاضت والدتهما معركة قضائية لرفض تغيير بياناتهما الدينية بعد إسلام والدهما. وأوضح أن القانون المصري يميل إلى جعل الأبناء يتبعون "أفضل الأبوين"، وغالبا ما يعتبر الإسلام هو "الأفضل"، ما يؤدي إلى تحويل بيانات الأطفال للإسلام قسرا. أما في حالة إعلان أحد الأبوين تحوله من الإسلام إلى المسيحية، فلا يتم الاعتراف به مطلقا، بل قد يعامل قضائيا كالمعدوم، فيحرم من حقوقه في الميراث أو الحضانة..
وختم المحامي سعيد فايز بقوله: "يمكن القول إن حرية العقيدة في مصر تسير في اتجاه واحد فقط: من المسيحية إلى الإسلام. أما العكس، أي خروج المسلم إلى أي ديانة أخرى، فلا وجود له قانونيا ولا عمليا.. وبالتالي، فإن حرية العقيدة في مصر تظل شعارا دستوريا لا يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع"..
و يبقى السؤال: إذا كانت حرية العقيدة حقا مكفولة كما يقول الدستور.. فلماذا يدفع المتحولون سواء من المسيحية أو من الإسلام ، أثمانا اجتماعية وقانونية وأمنية فادحة ولماذا لا يكون تغيير الدين قرارا شخصيا لا شأن للدولة أو المؤسسات الدينية أو المجتمع به؟!
-------------------
تحقيق: مادونا شوقي
من المشهد الأسبوعية
العدد 342 من المشهد الأسبوعية ص 7