ثلاثة عناوين رئيسية يمكن وضعها على كلمة ترامب أمام الكنيست الإسرائيلى: إسرائيل أولا، وأمنها لا يقل أهمية عن أمن الولايات المتحدة، بايدن وأوباما أسوأ رؤساء مروا على البيت الأبيض، الهدف الأهم مستقبلا هو التطبيع وإعادة الزخم للاتفاقات الإبراهيمية.
تأخر ترامب عن موعده عدة ساعات وكأنه يريد أن يرضى الحليف المدلل، ويظهر له أن مواعيده مع العرب ليست فى أهمية وجوده بالكنيست، وانتظره قادة العالم ليأتى حاملا معه مذكرة رئاسية ودرجة عالية من الاستظراف التى لا تليق برئيس دولة عظمى.
جاء الرئيس الأمريكي لأرض مصر حاملا معه مذكرة نشرها البيت الأبيض اليوم على موقعه، أسمتها الجزيرة "وثيقة ضمانات" وأطلقت عليها بعض المواقع المصرية والعربية "اتفاق"، وبنظرة سريعة عليها سندرك أن ما تم التوقيع عليه بالأمس من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا هو مذكرة رئاسية لا ترقى لدرجة اتفاق، فهى ليست اتفاقا ملزما لأى طرف من أطراف الصراع، وبشكل أدق ليس ملزما لإسرائيل بأى شيء. بل إنها لم يشر فيها إلى حل الدولتين تصريحا ولا تلميحا رغم اعتراف 150 دولة منذ أقل من شهر بدولة فلسطين، ورغم أن قيام الدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية هو أساس الصراع، وهو الحل الوحيد للخروج منه.
ويمكن القول أن هناك عدة أهداف سعى ترامب لتحقيقها من خلال هذه الزيارة:
1- تهدئة الأوضاع فى المنطقة كى تلتقط إسرائيل أنفاسها وتعيد ترتيب أوراقها، وتسليح جيشها وتنظيم صفوفه استعدادا للجولات القادمة.
2- التخلص من حماس ووجودها فى غزة، والقضاء على جميع أنواع المقاومة المسلحة فى باقى الأراضي الفلسطينية وهو ما يتضح فى عبارة (نحن متّحدون في عزمنا على تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكالهما)
3- ضمان استبعاد المناهج التعليمية التى تحض على كراهية إسرائيل وعدائها (ونتعهّد بمعالجة الظروف التي تتيح انتشار التطرف، وتعزيز التعليم والفرص والاحترام المتبادل كأسس لتحقيق سلام دائم.)
4 - الترويج لاتفاقيات التطبيع وضرورة الالتزام ببنودها خاصة بعد عامين من حرب الإبادة التى أعاقت العديد من المشاريع الاقتصادية التى تم الاتفاق عليها فى الاتفاقات الابراهيمية، وأفقدت إسرائيل ما كانت قد اكتسبته من تطبيع على المستوى الشعبى فى بعض دول الخليج والمغرب وغيرها، (ونعترف بأن الشرق الأوسط لا يمكنه تحمّل دورة مستمرة من الحروب المديدة أو المفاوضات المتعثرة أو التطبيق الجزئي أو الانتقائي للاتفاقيات الناجحة.)
5 - إعادة التذكير بصفقة القرن التى تروج لازدهار اقتصادى فى المنطقة على حساب القضية الفلسطينية، ومعروف أن صفقة القرن التى رفضها العرب والفلسطينيون كان عرابها جاريد كوشنر الذى اختفى من المشهد تماما فى نهاية الولاية الاولى لترامب، ثم عاد للظهور من جديد مع خطة ترامب ذات العشرين بندا. (ضمان أن تكون هذه المنطقة مكاناً يستطيع فيه الجميع السعي نحو تحقيق طموحاتهم في سلام وأمن وازدهار اقتصادي، بغضّ النظر عن العرق أو الدين أو الأصل.)
وفى الحقيقة، لا أحد يستطيع أن ينكر السعادة البالغة بانتهاء الحرب وتوقف سيل الدماء البريئة، وخروج أعداد كبيرة من المعتقلين الفلسطينيين الذين لم تعانق عيونهم أشعة الشمس سنوات طويلة، مقابل تسليم حماس من تبقى من الأسرى لديها، وهى ورقة فقدت جدواها بعد اقتحام إسرائيل مدينة غزة والبدء فى تدمير مبانيها.
لكن هناك أيضا حقائق لا يجب أن تغيب عن أذهاننا فى غمرة الاحتفالات الصاخبة، أن وحدة الفلسطينيين خلف قيادة واحدة قوية ومحترمة أصبحت فرض عين وضرورة وليست رفاهية، وأن ما لم تحققه إسرائيل بالحروب ستحاول تحقيقه بطرق أخرى على رأسها حروب الجيل الرابع والخامس القائمة على تفجير الدول من الداخل بالأساليب الدعائية والإعلامية الحديثة.
ختاما، وبعد كل ما رأيناه بالأمس من مشاهد هزلية وابتسامات صفراء من ذاك الرجل ذو الشعر البرتقالى، لا يسعنى إلا أن أشير إلى بيت الشعر الشهير :
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن بأن الليث يبتسم .
------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم